قصة الحضارة -> عصر نابليون -> الثورة الفرنسية -> الجمعية التشريعية -> شخصيات الأحداث
الفصل الثالث
الجمعية التشريعية
أول أكتوبر 1971 - 02 سبتمبر 1971
1- شخصيات الأحداث
كانت انتخابات المؤسسة الثورية الثانية يراقبها الصحفيون بحماس وتشرف عليها الأندية بقوة فعالة· لقد أصبح للصحفيين تأثير جديد في السياسة العامة منذ كادت الرقابة على المطبوعات تختفي، فقد كان لكل من بريسو Brissot ولوزتالو Loustalot ومارا Marat وديمولين Desmoulins وفريرو Fréron ولاكلو Laclos ، دورية (صحيفة) كمنبر له يعبر من خلالها عن آرائه في الدفاع عن حقوق الشعب·
وفي سنة 0971 كان في باريس وحدها 331 صحيفة بالإضافة إلى مئات الصحف في الدوائر (المحافظات أو المديريات)، وكانت هذه الصحف كلها تقريبا تؤيد الخط الراديكالي· وكان ميرابو Mirabeau قد نصح الملك بضرورة شراء بعض الصحفيين ذوي الشعبية إن أراد الاحتفاظ بعرشه أو برأسه· ومما قاله نابليون إنه "كان من الممكن أن يبقى نظام النبالة القديم لو عرف النبلاء بقدر كاف أن يسيطروا على المطبوعات··· لقد أدى ظهور المدافع إلى قتل النظام الإقطاعي، أما الحبر فسيقتل النظام الحديث"(1)·
وكادت النوادي أن يكون لها تأثير الصحف نفسه، فنادي البريتون The Breton Club الذي تبع الملك والجمعية إلى باريس أعاد تسمية نفسه بجمعية أصدقاء الدستور Society of Friends the Constitution وأجرت حجرة في الدير اليعقوبي السابق بالقرب من التوليري Tuileries ليعقد الأعضاء فيها اجتماعاتهم، وفيما بعد توسعوا في المكان فضموا المكتبة بل وحتى المصلى(2)· وكان اليعاقبة كما أطلق عليهم التاريخ في البداية يمثلون كل أعضاء هذا النادي أو الجمعية لكنهم سرعان ما أثروا جماعاتهم بضم أشخاص مبرزين في العلوم والآداب والسياسة أو إدارة الأعمال· وهنا وجد الأعضاء السابقون (في الجمعية الوطنية) مثل روبيسبير الذي نحى نفسه عن عضوية الجمعية التشريعية منطلقاً جديداً يمارسون منه السلطة· وكانـت الديون مرتفعة فحتى سنة 3971 كان معظم الأعضاء من أفراد الطبقة الوسطى(3)·
وتضاعف تأثير اليعقوبيين بفعل منظمة النوادي المنتسبة إليهم في كثير من كومونات فرنسا (الكومون هنا تنظيم إداري أصغر من الدائرة أو المحافظة) والتي اتفقت جميعا على الاعتراف بالنادي الأم وبقيادته في مجالي الفكر والاستراتيجية· وفي سنة 4971 كان هناك نحو 008·6 ناد يعقوبي تضم جميعا نصف مليون عضو(4)· وكان اليعاقبة يشكلون أقلية منظمة وسط جماهير (أغلبية) غير منظمة· وعندما أيدت الصحف سياساتهم أصبح تأثيرهم في المحل الثاني لا يسبقه سوى تأثير الكومونات (البلديات) التي تتحكم في التشكيلات المحلية للحرس ا لوطني من خلال مجالسها البلدية وأقسامها التأسيسية· وعندما كانت هذه القوى كلها تعمل بتناسق، كان على الجمعية أن تعمل حسابها أو تحسب أمر مواجهة جماهير غير مدركة لا يضبطها ضابط أو حتى مواجهة عصيان مسلح· لقد كتب رجل إنجليزي كان في باريس في سنة 1971 "إن النوادي متوفرة في كل شارع"(5)· لقد كانت هناك جمعيات أدبية ورياضية ومحافل ماسونية وتجمعات عمالية· ولما وجد بعض الزعماء الراديكاليين أن اليعاقبة بورجوازيون غلاة أسسوا في سنة 0971 "جمعية أصدقاء الإنسان والمواطن" التي سرعان ما أطلق عليها أهل باريس نادى الرهبان الفرنسسْكان (نادي الكوردليير)(ü) Cordeliers Club لأن أعضاءه كانوا يجتمعون في مبنى كان فيما سبق ديراً للفرنْسِسْكان، وقد أتاح هذا النادى لكل من مارا Marat وهربير Herbert وديمولين Desmoulins ودانتون Danton عرض أفكارهم فيه· وقد أسس كل من لافاييت Lafayette وباييه Bailly وتاليران Talleyrand ولافوازيه Lavoisier وأندريه Andre ومارى جوزيف دى شينيه Marie Joseph de Che`nier ودو بونت دى نيمور Du pont de Nemours جمعية عرفت "بجمعية 9871" كان هدفها هو دعم الملكية المترنحة، وقد بدأت هذه الجمعية اجتماعاتها بشكل منتظم في القصر الملكي في سنة 0971، وكان تأسيسها بهدف الحد من غلواء اليعاقبة، إذ رأى مؤسسو هذه الجمعية (جمعية 9871) أن اليعاقبة راديكاليون مغالون (مفرطون في راديكاليتهم)، وظهرت جماعات أخرى ملكية (ذات توجه ملكي) بقيادة أنتوني بارنييف Antone` Barnave واسكندر دى لاميتAlexandre de Lameth اللذين كونا ناديا عرف في التاريخ باسمه المختصر الفويان(üü) Feuillants لأنهم كانوا يعقدون اجتماعاتهم في دير بندكتي عرف بهذا الاسم·
إن هذا كله علامة على علمنة الحياة الباريسية بسرعة فقد أصبح كثير من الأديرة السابقة الآن مراكز للإثارة السياسية·
وقد ظهرت التيارات (الاتجاهات) المختلفة للأندية في أثناء الانتخابات التي استوعبت ببطء أوراق الاقتراع السري على الجمعية الجديدة (التشريعية) إذ تم الاقتراع في شهري يونيه وسبتمبر سنة 1971، فالموالونLoyalists الذين هذبهم التسامح والتعليم عولوا على حث الناخبين وعلى تقديم الرشاوي لجمع الأصوات لصالحهم، أما اليعاقبة وأعضاء النادي الفرنسسكاني (الكوردلير) الذين عركتهم الأسواق والشوارع فقد زاوجوا في دعايتهم الانتخابية بين الرشوة واستخدام القوة (الإرغام) لقد فسروا القانون تفسيرا مفصلا إلى أبعد مدى ومنعوا أي شخص رفض أن يقسم يمين الولاء للدستور الجديد من الإدلاء بصوته، ومن هنا فإن غالب الكاثوليك المتدينين قد جرى استبعادهم تلقائيا· وتم تنظيم الجموع للإغارة على الاجتماعات التي يعقدها الموالون Loyalis ts وتشتيت المجتمعين فيها، كما حدث في جرينوبل Grenoble ، وفي بعض المدن مثل بوردو Bordeaux منعت السلطات البلدية كل اجتماعات النوادي ما عدا نادى اليعاقبة وحدث في مدينة واحدة أن أحرق اليعاقبة وأنصارهم صندوق اقتراع كانوا يشكون أنه يضم أصواتا غالبها محافظ(6)·
ورغم هذه المظاهر الديمقراطية فلم تؤد الانتخابات إلى وصول أقلية أساسية تسعى للحفاظ على الملكية إلى الجمعية التشريعية· وشغل الفويان Feuillants وعددهم 462 عضوا القسم الأيمن من القاعة، لذا فقد أعطوا اسمهم (المحافظون) في كل مكان لكل من اتخذ مجلسه إلى اليمين· و جلس اليعاقبة والكوردليير (جماعة أصدقاء الإنسان والمواطن) إلى اليسار في القسم المرتفع الذي أطلق عليه اسم الجبل وبالتالي فقد عرفوا باسم الجبليين Montagnards وفي الوسط جلس 553 عضوا رفضوا تصنيف أنفسهم ومن ثم فقد أطلق عليهم اسم أهل السهل Plain · ومن بين 557 عضواً كان هناك 004 قانوني كانوا ملائمين لطبيعة الجمعية التشريعية· والآن فقد خلف القانونيون رجال الدين في السيطرة على البلاد· وكان أعضاء الجمعية التشريعية كلهم تقريبا من الطبقة الوسطى، فلا زالت الثورة إذن عيدا للبرجوازية·
وحتى 02 يونية سنة 2971 كان أكثر الجماعات نشاطا في الجمعية التشريعية هم أولئك المنتمـون إلى دائـرة (محافظـة) جيروند Gironde · إنهـم لــــم يكــــونوا حــــزبا منظـمــــا (ولـم يكـونوا مـــــن الجبليـــين(ü) Montagnards ) ولكنهـــم كانــوا جميعـــــــا تقريبــــــا مـــن مناطق ذوات نشاط صناعي وتجاري - كان Caen ونانت Nantes وليون Lyons وليموج Limoges ومرسيليا Marseilles وبوردو Bordeaux ، فسكان هذه المراكز النشيطة كانوا قد تعودوا على الحكم الذاتي Self-rule وكانوا يتحكمون في كثير من أموال المملكة وتجارتها الداخلية والخارجية، وكانت بوردو Bordeaux عاصمة الجيروند تتذكر بفخر أنها هي التي نشّأت مونتاني Montaigne ومنتسكيو Montesquieu ، وكان زعماء الجيرونديين كلهم تقريبا أعضاء في نادي اليعاقبة وكانوا متفقين مع معظم اليعاقبة الآخرين في معارضة الملكية والكنيسة لكنهم كانوا ممتعضين من أن تحكم باريس وجماهيرها بلاد فرنسا، واقترحوا بدلا من ذلك أن تكون فرنسا جمهورية فدرالية تتمتع دوائرها (محافظاتها) بقدر كبير من الحكم الذاتي·
وكان منظرّهم هو كوندرسيه Condorcet وكان فيلسوفا ومتخصصا في التربية والمالية واليوتوبيا Utopia (المدينة الفاضلة أو المثالية)· لقد مضى وقت طويل قبل أن ندفع له ما علينا من دين· وكان خطيبهم المفوه هو بيير فيرجنيو Pierre Vergniaud الذي ولد في ليموج Limoges من رجل أعمال وقد ترك بيير المعهد اللاهوتي ودرس القانون ومارس المحاماة في بوردو وتم انتخا به فيها للجمعية التشريعية التي جعلته رئيسا لها أكثر من مرة· وكان جاك بيير بريسو Jacques- Pierro Brissot لا يزال من أكثر أعضاء الجمعية التشريعية تأثيرا وهو من مواطني شارتر Chartres وكان أقرب إلى المغامر، شغل عدة وظائف، وخبر مجموعات القوانين في أوروبا وأمريكا وعاش في مناخات مختلفة، وباختصار فقد تم سجنه في الباستيل في سنة 4871، وأسس في سنة 8871 جمعية الأصدقاء السود Societé de Noirs Amis وعمل بجد على تحرير العبيد·
وكان واحداً من مندوبي باريس في الجمعية التشريعية وأخذ على عاتقه مهمة السياسة الخارجية، وقد قاد الاتجاه المنادي بالحرب· وقدمه كوندرسيه Condercet مع فيرجينيو Vergniaud إلى مدام دى ستيل de Stael فأصبحا من المداومين بإخلاص على الحضور إلى صالونها وساعدا عشيقها الكونت دى ناربون لارا - Comte de Narbonne Lara كي يعينه لويس السادس عشر وزيرا للحرب(7)· وظل الجيرونديون لفترة طويلة يطلق عليهم اسم البريسوتيين Brissotins نسبة إليه·
ويذكر التاريخ جيدا جان ماري رولاند دي لا بلاتيير Jean- Marie Roland de La Platiére لسبب رئيسي وهو أنه تزوج لامعة ألهمته الأفكار والأسلوب وخدعته واحتفت بذكراه، ومجد صعودها إلى المقصلة على وفق رواية شهيرة وقد تكون خرافية· وعندما كانت جين مانون فليبو Jeanne Manon Phlipon في الخامسة والعشرين من عمرها تقابلت مع جان ماري Jean- Marie الآنف ذكره في روان Rouen في سنة 9771، وكان وقتها في الخامسة والأربعين من عمره، برأسه بداية صلع وكانت الاهتمامات التجارية والتأملات الفلسفية قد أرهقته، وكان ذا ابتسامة أبوية جميلة، وكان يدعو لرواقية نبيلة فتنت مانون التي كانت بالفعل متآلفة مع الكلاسيكيات القديمة وأبطالها فقد قرأت بلوتارخ Plutarch وهي في الثامنة من عمرها، وكانت أحيانا تفضله على كتاب الصلوات عندما تكون في الكنيسة ومن أقوالها" إن بلوتارخ قد مهد الطريق لأكون جمهورية"(8)·
وكانت ذات روح عالية وهي طفلة، فمن أقوالها " في مناسبتين أو ثلاث عندما ضربني أبي عضضت فخذه الذي كان يجلسني عليه"(9) ولم تفقد عضتها أبدا، لكنها قرأت أيضا حيوات القديسين، وتطلعت - وكأنها تتنبأ - إلى الاستشهاد (الموت في سبيل المبدأ) وشعرت بالجمال وأحست بجلال الطقوس الكاثوليكية واحتفظت باحترامها للدين وبعض الكتابات التي تناولت العقيدة المسيحية حتى بعد استمتاعها بكتابات فولتير Voltaire وديدرو Diderot ودلباش d`Holbach ودلمبير d`Ale mbert ولم تهتم كثيرا بروسو Rousseau وكانـت صـارمـة جـداً إزاء مشاعـره، وبـدلاً مـن ذلـك فقـد أضاعـت قلبهــا لبروتس Brutus (شخص آخر) ومن كليهما أصبحت هي والجيرونديون يؤمنون بالمثل السياسية نفسها(ü)، وقد قرأت أيضا خطابات مدام سيفني Sevigne` لأنها كانت تتطلع إلى كتابة نثر كامل الأوصاف·
وكان هناك من طلب يدها للزواج لكنها كانت واعية بمآثرها فلم تكن لتقبل أي عشيق عادي، وربما وجدت أنه من الأفضل أن تجد حلا وسطا، وكان هذا عندما بلغت الخامسة والعشرين من عمرها فوجدت في رولان Roland الآنف ذكره " عقلا قويا وأمانة واستقامة ومعلومات وكياسة···· فقد جعلني وقاره أنظر إليه بتقدير كما هـو بدون أي اعتبار للجنس"(01)· وبعد زواجهما في سنة 0871 عاشا في ليون Lyons التي وصفتها بأنها " مدينة جرى تشييدها بفخامة بالإضافة إلى موقعها المهم، انتعشت فيها التجارة والصناعة··· مشهورة بأثريائها الذين يحسدهم على ثرائهم حتى الإمبراطور جوزيف(11) Joseph " وفي فبراير سنة 1971 تم إرسال رولان Roland إلى باريس ليدافع عن مصالح تجارة ليون وأشغالها أمام لجان الجمعية التأسيسية، وحضر اجتماعات نادي اليعاقبة وكون صداقة قوية مع بريسو Brissot ، وفي سنة 1971 أقنع زوجته بالانتقال معه إلى باريس·
وفي باريس لم تعد سكرتيرته وإنما تحولت إلى مستشارة له· إنها لم تكن ترتب تقاريره بأناقة وإنما بدت توجه سياسته· وفي 01 مارس سنة 2971 عين وزيراً لداخلية الملك بوساطة بريسو Brissot · وفي هذه الأثناء أصبح لمانو Manon صالونا كان يلتقى فيه بانتظام بريسو Brissot وبيتيو Pe`tion وكوندرسيه Condorcet وبوزو Buzot وغيرهم من الجيرونديين، ليضعوا خططهم(21)· وكانت تقدم لهم الطعام والمشورة، كما كانت تقدم لبوزو Buzot حبها بشكل سرى (كانت على علاقة عشق به)، وقد تبعتهم أو سبقتهم بشجاعة إلى الموت·
| صفحة رقم : 14549 |
|