قصة الحضارة -> عصر نابليون -> الثورة الفرنسية -> المؤتمر الوطني -> الثورة الثانية
2- الثورة الثانية
1793
لقد كان إعدام الملك نصراً بالنسبة للجبليين (اليسار) والكومون وسياسة الحرب، كما أنه وحد المشتركين في قتل الملك والمتسببين فيه فارتبطوا ارتباطاً مصيرياً بالثورة فقد يقع عليهم الاختيار للتضحية بهم عند إعادة عرش البوربون· وقد أدى هذا الحدث إلى انقسام الجيرونديين وعزلتهم، فقد انشقوا عند التصويت وهم الآن يتحركون في باريس وهم في حالة خوف على حيواتهم وتطلعوا إلى المحافظات حيث السلام والنظام موجودان بشكل نسبي، واستقال رولان Roland - مريضا محبطا - من المجلس التنفيذي بعد يوم من إعدام الملك، والسلام الذي كان ممكنا بانشغال النمسا وبروسيا بتقسيم بولندا، غدا مستحيلا الآن بسبب غضب ملوك أوروبا لقطع رأس واحد من إخوانهم·
وفي انجلترا وجد وليم بت Willam Pitt رئيس الوزراء الذي كان يفكر في شن الحرب على فرنسا، أنه لم يعد هناك كبير أثر لأي معارضة برلمانية لسياسته، وصدم جماهير الإنجليز لأخبار إعدام الملك الفرنسي كما لو أن الملكية نفسها هي التي وضعت تحت المقصلة، كما لو أنهم هم أنفسهم (الإنجليز) ليسوا سلالة من نفذ الإعدام في شارلز الأول Charles I، وكان هدف بت Pitt الحقيقي - بطبيعة الحال - هو أن سيطرة فرنسا على أنتورب ستعطي لها - وهي عدوة بريطانيا القديمة - مفتاح الراين Rhine - وهو الطريق الرئيسي لتجارة بريطانيا مع وسط أوروبا· وأصبح هذا الخطر أكثر حدة عندما أعلن المؤتمر الوطني في 15 ديسمبر سنة 1792 ضم بلجيكا إلى فرنسا· والآن لقد فتح الطريق للسيطرة الفرنسية على هولندا وبلاد الراين Rhineland، فكل وادي الراين الخصب والمعمور بالسكان يمكن أن يغلق في وجه بريطانيا التي تعيش على تصدير منتجات صناعتها المنتشرة·
وفي 24 يناير سنة 1793 طرد بت Pitt السفير الفرنسي وفي أول فبراير أعلن المؤتمر الوطني الحرب على كل من إنجلترا وهولندا· وفي 7 مارس انضمت إليهما أسبانيا وبدأ التحالف الأوربي الأول (المكون من بروسيا والنمسا وسردينيا وإنجلترا وهولندا وإسبانيا) المرحلة الثانية في العمل على كبح الثورة الفرنسية·
لقد توالت الكوارث بسرعة جعلت المؤتمر الوطني غير قادر على ملاحقتها، فالجيوش الثورية قد خملت بعد انتصاراتها المبدئية وترك آلاف المتطوعين الخدمة بعد انقضاء الفترة المحددة وتناقص عدد الجنود في الجبهة الشرقية من 400.00 إلى 225.000، وحتى هؤلاء كانوا ذوي ثياب رثة طعامهم الكفاف بسبب عدم كفاءة الممولين (المتعاقدين لتمويل الجيش) وفسادهم وارتشائهم، هؤلاء الممولين الذين كان يحميهم دومورييه Dumouriez ويستغلهم·
وفي 24 فبراير لجأ المؤتمر الوطني إلى التجنيد الإلزامي لإنشاء جيوش جديدة لكنه حابى الأثرياء بالسماح لهم بدفع البدلية لمن يقاتل عنهم (النص: شراء من يقوم مقامهم)، وانفجر التمرد على التجنيد الإلزامي في محافظات مختلفة، ففي الفنيدي Vende`e كان السخط على التجنيد الإلزامي وارتفاع تكاليف المعيشة وندرة الطعام، بالإضافة للسخط على التشريع المضاد للكاثوليكية، كل أولئك تضافر معا ليسبب تمردا حقيقيا اتسع مداه حتى استلزم الأمر استدعاء جيش من الجبهة للسيطرة على الأمور· وفي 16 فبراير قاد دومورييه Dumouriez 000،02 جندي لغزو هولندا، فهاجمت قوة نمساوية بقيادة الأمير ساكس - كوبرج Saxe - Coburg الحامية التي تركها دومورييه في بلجيكا، وكان هجومه مفاجئا مما تسبب في إبادة الحامية الفرنسية، أما دومورييه نفسه فقد هزم في نيرفندن Neerwinden (81 مارس)، وفي 5 أبريل انضم إلى النمساويين ومعه ألف رجل (تخلى عن الثورة لصالح أعدائها)· وفي ذلك الشهر التقى مندوبون· من إنجلترا وبروسيا والنمسا لوضع الخطط لإخضاع فرنسا·
لقد هددت المصاعب الداخلية والنكسات الخارجية بانهيار الحكومة الفرنسية، فرغم مصادرة أملاك الكنسية وممتلكات المهاجرين (الذين تركوا فرنسا بسبب أحداث الثورة) فإن الأسينات assignats (العملة التي أصدرتها حكومة الثورة) كادت تفقد قيمتها فجأة، إذ أصبحت لا تساوي سوى 47% من قيمتها الاسمية في أبريل سنة 1793 وفي غضون ثلاثة أشهر بعد ذلك تدنت قيمتها إلى 33% (أي أصبحت لا تساوى سوى 33% من القيمة المكتوبة عليها)(20) واتسع مدى المقاومة للضرائب الجديدة حتى أصبحت تكاليف جمعها تكاد تساوي قيمتها·
وأدت القروض الجبرية (اقتراض الحكومة بتوجيه الأوامر لمن تقترض منهم)- كما في حدث في الفترة من 20 - 25 مايو 1793 - إلى سلب البورجوازية الصاعدة، وعندما حاولت هذه الطبقة استخدام الجيرونديين لحماية مصالحهم في الحكومة، أدى هذا إلى تعميق الصراع بين الجيرونديين والجبليين (اليسار) في المؤتمر الوطني· واستطاع دانتون وروبيسبير ومارا نزع نادي اليعاقبة من سياساته البورجوازية الأصلية ليجعلوه أقرب إلى الأفكار الراديكالية· أما الكوميون الذي يقوده الآن بيير شومت Pierre Chaumette وجاك هيبرت Jacques Hèbert فقد استخدم الجريدة الضارية (العنيفة) التي يمتلكها هذا الأخير (جاك) والتي تحمل اسم Pére Duchesne لإثارة المدينة (باريس) ومحاصرة المؤتمر الوطني بوابل من المطالب والإلحاح على مصادرة الثروات، وراح مارا Marat يوما بعد يوم يشن الحرب ضد الجيرونديين باعتبارهم حماة للأثرياء· وفي فبراير سنة 1793 قاد جاك رو Jacques Roux وجان فارلت Jean Varlet مجموعة من البرولتياريا (الذئاب المسعورة (Enragés لمهاجمة ارتفاع أسعار الخبز والإصرار على أن يقوم المؤتمر الوطني بتحديد أسعار كل ما هو ضروري للحياة· ولأن المؤتمر الوطني قد أزعجته عاصفة المشاكل فقد عهد بأعماله المنوطة به في عام 1793 إلى لجان تتم الموافقة على قراراتها بأقل قدر من النقاش·
وتم تعيين معظم اللجان لتكون مخصصة لمجال معين من مجالات النشاط والإدارة: الزراعة، الصناعة، التجارة، المحاسبة، المالية، التعليم، الخدمة الاجتماعية، شئون المستعمرات·
وعادة ما كانت كل لجنة تضم اختصاصيين في مجالها، وقد أدت هذه اللجان أعمالاً طيبة جداً، بل إنها وسط الأزمات التي بلغت ذروتها، أعدت دستورا جديدا وتركت تراثا تشريعيا بناء راق لنابليون فكون على هديه "المدونة القانونية النابليونية" Code Napoléon·
ولحماية الثورة من الوكالات الأجنبية (غير الفرنسية) والتخريب الداخلي والإزعاج السياسي عين المؤتمر الوطني في 10 مارس 1793 لجنة الرقابة العامة(ü) كوزارة وطنية للبوليس ذات صلاحيات عملية مطلقة للقيام بزيارات مفاجئة للأماكن كلها بما فيها البيوت دون تحذير للقبض على أي شخص يشك في عدم ولائه أو في ارتكابه جريمة وقد تم إنشاء لجان أخرى للمراقبة في الكوميون وأحياء (أقسام) المدن ·
وأنشأ المجلس الوطني أيضا في 10 مارس محكمة ثورية(ü) لمحاكمة من يرسل إليها من المشكوك فيهم الذين سمح لهم بمحامين للدفاع عنهم لكن الحكم الذي يصدره المحلفون Jorors لا يمكن استئنافه أو إعادة النظر فيه· وفي 15 أبريل عين المؤتمر الوطني أنطوان - كوينتن فوكير - تينفيل Antoine -Quentin Fouquier - Tinville مدعياً عاماً رئيسياً أمام هذه المحكمة الثورية الآنف ذكرها وهو محام حقق شهرة بسبب إتقانه التحقيق ولعدم رحمته لكنه كفء، وإن كان لا يخلو من المشاعر الإنسانية بين الحين والآخر،(21) وعلى أية حال فإننا عرفناه من خلال رسم محفور يظهره بوجه كالصقر وأنف كالسيف· وبدأت هذه المحكمة الثورية جلساتها في 6 أبريل في قصر العدل، وكلما سارت الحرب قدما،وزاد عدد المتهمين المقدمين للمحكمة زيادة يصعب على المحكمة السيطرة عليها، اختزلت إجراءاتها القانونية وراحت تصدر الحكم بالإدانة في القضايا كلها تقريبا التي أحالتها لجنة الأمن العام(üü) Committee of Public Safety·
وهذه اللجنة الأخيرة (لجنة الأمن العام (Comite` de Salut Public أنشئت في 6 أبريل سنة 1793 لتحل محل المجلس التنفيذي Executive Council وأصبحت هي ذراع الدولة الفعال (الرئيسي)· لقد كانت مجلس حرب· إنه لا يجب النظر إليها كحكومة مدنية تعترف بالقيود الدستورية (المقصود تمتنع عما يمنعه الدستور) وإنما كجهاز مخول تشريعيا بقيادة أمه تحارب من أجل وجودها، وبالتالي توجيه الأوامر لها· ولم تكن لسلطاته حدود إلا بمسئولياته أمام المؤتمر الوطني، ولا بد من تقديم قراراته لهذا المؤتمر الوطني الذي أحالها كلها تقريبا إلى مراسيم ملزمة· لقد كانت هذه اللجنة تدير السياسة الخارجية وتتحكم في الجيوش وجنرالاتها وفي الموظفين المدنيين ولجان الفنون والدين، والخدمات السرية للدولة، وكان يمكنها أن توجه الرسائل الخاصة (للأفراد والهيئات) والعامة (للجماهير)، وكانت ذات ميزانيات سرية ومن خلال "ممثليها المبعوثين" أو المرسلين في مهام كانت تتحكم في الموت والحياة في المحافظات وكانت تجتمع في حدائق (قسم النباتات) في التوليري (بافيلون دي فلور (Povillon de Flore بين القصر (التوليري) والسين Seine وكان أعضاؤها يجتمعون حول منضدة اجتماعات مغطاة بقماش أخضر، أصبحت - أي هذه المنضدة - لمدة عام مجلساً للحكومة الفرنسية·
وكان يجلس في صدر اللجنة حتى 10 يوليو دانتون الذي تم اختياره للمرة الثانية ليقود الأمة وهي في حالة خطر، وبدأ دانتون على الفور بحث زملائه في اللجنة - وبالتالي المجلس الوطني - على ضرورة أن تتراجع الحكومة علناً عن عزمها التدخل في الشئون الداخلية لأي أمــة أخرى(22)· وأرسل المؤتمر الوطني بسبب حث دانتون ورغم اعتراضات روبيسبير مبعوثها لجس النبض طلبا للسلام لكل دولة من الدول التي شكلت تحالفا ضدها· وحث دوق بونسفيك Duke of Bunswick لإيقاف تقدمه، ونجح في ترتيب حلف مع السويد(23)· وحاول مرة أخرى التوفيق بين الجبليين (اليسار) والجيرونديين لكن الخلافات بينهما كانت عميقة جداً·
وكثف مارا Marat هجومه على الجيرويدنيين حتى إنهم في ثورة غضبهم استصدروا في 14 أبريل سنة 1793 مرسوما من المؤتمر الوطني بإحالته إلى المحكمة الثورية لدفاعه عن القتل ودعوته إلى الدكتاتورية· وعند محاكمته تجمع عدد كبير من السانس كولوت (الذين لا يرتدون سراويل قصيرة أي الشريحة الدنيا من الطبقة الثالثة) في قصر العدل والشوارع المفضية إليه يطالبون "بالانتقام من أي حماقة ترتكب ضد حاميهم الأثير لديهم"، وعندما خاف المحلفون أطلقوا سراحه فحمله أتباعه في موكب نصر على أكتافهم إلى المؤتمر الوطني وهناك هدد بالانتقام من متهميه، ومن هناك حملته الجماهير المبتهجة إلى نادي اليعاقبة وهناك جعلوه على مقعد الرياسة(24)· وواصل مارا معركته مطالب بطرد الجيرونديين من المجلس الوطني باعتبارهم خونة الثورة البورجوازيين bourgeois belvayers of the revolution ·
وحقق مارا Marat مكسبا خطيرا عندما أصدر المؤتمر الوطني - رغم اعتراض الجيرونديين وتحذيرهم - مرسوما بوضع حد أقصى لأسعار الحبوب في كل مرحلة من مراحل انتقالها من المنتج إلى المستهلك وأمر الجهات الحكومية بأن يصادروا من الزراع الإنتاج كله اللازم لمواجهة الاحتياجات(25)·
وفي 29 سبتمبر امتدت هذه الإجراءات لتحديد أسعار البضائع الأساسية كلها، فدخلت تحت سياسة "تحديد سقف أعلى للأسعار"(26) لقد برزت الآن الحرب الداخلية بين المنتج والمستهلك، فثار الفلاحون على مصادرة محاصيلهم(27) وقل الإنتاج للشعور بأن القوانين الجديدة عاقت الدوافع للربح واتسعت السوق السوداء، عارضة بأسعار عالية البضائع للقادر على الدفع، والأسواق التي نفذت قوانين تحديد الأسعار خلت من الحبوب والخبز، ومرة أخرى سارت مظاهرات الجياع خلال شوارع المدينة·
وفزع الجيرنديون إلى ناخبيهم من الطبقة الوسطى في المحافظات لإنقاذهم من استبداد الجماهير، بعد أن امتعضوا بشدة ومراره من الضغط الذي تمارسه الطبقات الدنيا في باريس على المجلس الوطني· وكتب فرجنيو Vergniaud إلى ناخبيه في بوردو Bordeaux في 4 مايو سنة 1793: "إنني أدعوكم إلى منبر الدفاع عن حقوق الشعب لتدافعوا عنا إن كان هناك وقت باق للثأر للحرية، بإبادة الطغاة"(28) وكتب باربارو Barbaroux على النحو نفسه إلى مؤيديه في مرسيليا، وفيها - أي في مرسيليا- كما في ليون Lyons تحالفت الأقلية البورجوازية مع النبلاء السابقين لطرد رئيسى البلدية الراديكاليين في كلتيها·
وفي 18 مايو حث النواب الجيرونديون المؤتمر الوطني لتعيين لجنة للتفتيش على علميات كومون باريس وأحيائه (أقسام باريس) لكشف المخالفات القانونية· وكان أعضاء هذه اللجنة كلهم من الجيرونديين· وفي 24 مايو أمر المؤتمر الوطني بالقبض على هيبير Hèbert وفارلت Varlet باعتبارهما محرضين (مثيرين للفتنة)، وطالب الكومون والستة عشر قسما التابعة له - في الوقت نفسه - بالإفراج عنهما، لكن المؤتمر الوطني رفض· وحرض روبيسبير في نادي اليعاقبة في 26 مايو المواطنين على الثورة: "عندما تظلم الجماهير، وعندما لا يكون لها ملجأ إلا إلى نفسها، فمن الجبن حقا ألا ندعوها إلى الثورة· فعندما تنتهك القوانين كلها وعندما يبلغ الاستبداد ذروته، وعندما تداس العقيدة الطيبة واللياقة فلا بد أن يقوم الشعب بحركة مقاومة شعبية· لقد آن الأوان لذلك"(29) وفي 27 مايو طالب مارا Marat في المؤتمر الوطني بقمع اللجنة (لجنة الجيرونديين الآنف ذكرها) "لانها معادية للحرية ولأنها تميل إلى الحث على معارضة الشعب ومقاومته، وهذا التهديد مصلت فوق الرأس قريب الحدوث بسبب الإهمال الذي وقعتم فيه بالسماح بارتفاع أسعار البضائع ارتفاعا فظيعاً"· وفي تلك الليلة مهد الجبليون (اليسار) الطريق لاتخاذ إجراء بإلغاء اللجنة (لجنة الجيرونديين الآنف ذكرها) وجرى التصويت الذي كانت نتيجته هذا الإلغاء، بأغلبية 279 ضد 238 · وفي 30 مايو انضم دانتون إلى روبيسبير ومارا للدعوة إلى "نشاط ثوري أو هبة ثورية Revolutionay Vigor"·
وفي 31 مايو قرعت الأحياء أجراس التنبيه للخطر ليهب المواطنون - عند سماعها، وتجمعت الجماهير عند دار البلدية Hotel de ville وكونوا مجلس مقاومة، وضمنوا دعم حرس باريس الوطني بقيادة قائده الراديكالي هانريوت Hanriot، ودخل هذا المجلس الجديد - يحميه هانريوت بحرسه والجماهير المتزايدة العدد - إلى صالة المؤتمر الوطني وطالب بمثول الجيرونديين ليحاكموا أمام محكمة الثورة، وتحديد سعر الخبز عند ثلاثة جنيهات في أنحاء فرنسا كلها، وأي عجز ينتج عن ذلك يعالج بفرض ضريبة على الأثرياء، وأن يكون حق الانتخاب مقتصرا مؤقتا على السانس كولوت(03) (الذين لا يرتدون سراويل >بناطيل< قصيرة - الطبقة الثالثة)، وأقر المؤتمر الوطني الاعتراض الثاني فقط لهذه اللجنة البغيضة، وتراجعت الفصائل المسلحة لحلول الليل·
وعاد مجلس المقاومة الآنف ذكره إلى المؤتمر الوطني في أول يوليو مطالبا بالقبض على رولان Rolan الذي اتهمه السانس كولوت(الطبقة الدنيا) بارتباط مصالحه بالمصالح البورجوازية· وفر رولان هاربا إلى الجنوب حيث لاقى ترحيباً· أما زوجته مدام رولان فقد تأخرت ولم تلحق به لأنها خططت للدفاع عنه أمام المؤتمر الوطني لكن قبض عليها وأودعت في سجن أباى Abbaye (الكلمة تعني، الدير لأن هذا السجن كان في أصله ديرا) ولم يتح لها أن ترى زوجها بعد ذلك أبدا، وفي 2 يونيه احتشد ثمانون ألف رجل وامرأة - كان كثيرون منهم مسلحين - حول مقر المؤتمر الوطني، ووجه الحرس مدفعه للمبنى، وأخبر مجلس المقاومة الآنف ذكره نواب المؤتمر الوطني أن أحداً منهم لن يسمح له بالخروج حتى تتم الاستجابة لطلبات المجلس (مجلس المقاومة) كلها· وذكر مارا Marat بصوت عال أسماء الجيرونديين الذين يوصي بالقبض عليهم، وكان مارا قد سيطر على المنصة (المنبر) التي يتحدث متحدثو المؤتمر من فوقها ودبر بعض نواب المؤتمر أمر تملصهم من الحرس والجماهير وهربوا إلى المحافظات، وجرى القبض على اثنين وعشرين وفرضت عليهم الإقامة الجبرية في منازلهم بباريس· ومنذ هذا اليوم وحتى 26 يوليو أصبح المؤتمر الوطني خادماً مطيعا للجبليين (اليسار) ولجنة الأمن العام وجماهير باريس· لقد هزمت الثورة الثانية البورجوازية وأسست مؤقتا دكتاتورية البرولتياريا·
وأعطى المنتصرون للنظام الجديد شكلا بتكليف كل من هيرول دى سيشل Herault de Sechelles وسان - جوس Saint - Jus بصياغة الدستور الجديد الذي كان قد صدر في11 أكتوبر 1792 · وقد أعاد حق الانتخاب للذكور البالغين كلهم وأضاف حق كل مواطن في مورد رزق، والتعليم والمقاومة، وقصر حقوق الملكية بحيث لا تتعارض مع المصلحة العامة، وأعلن حرية العبادة واعترف بكرم ولطف بوجود الله (سبحانه) a Supreme being كموجود أسمى وأعلن الأخلاق كأمرٍ لازم للمجتمع، وقد أطلق كارليل Carlyle الذي لم يكن يستطيع أن يهضم (يستسيغ) الديمقراطية هــذا بأنه " أكثر الدساتير- التي حبرت على الورق - ديمقراطية(31) وقبله المؤتمر الوطني (في 4 يونية سنة 1793) وأقره ربع الناخبين 1.801.918 واعترض عليه 11.610. وظل دستور 1793 على الورق فقط لأنه في 10 يوليو جدد المؤتمر الوطني للجنة الأمن العام Committee of Public Safety صلاحياتها كسلطة حاكمة فوق الدستور حتى يعود السلام·