قصة الحضارة -> عصر نابليون -> الثورة الفرنسية -> حكومة الإدارة -> انهيار حكومة الإدارة
9- انهيار حكومة الإدارة
4 سبتمبر 7971 - 9 نوفمبر 9971
أدت نجاحات الجيوش الفرنسية - والتي بلغت ذروتها في إخضاع بروسيا في بازل Basel في سنة 5971، والنمسا في كومبوفورميو Compoformio في سنة 7971، ونابلي وسويسرا في سنة 8971 - إلى تراخي الحكومة الفرنسية التي تكاد تكون قد أصيبت بالكسل الشرقي (الكسل والتراخي السائدين في بلاد الشرق) فقد خضع المجلسان التشريعيان لحكومة الإدارة (حكومة المديرين) واعترف هؤلاء ( أعضاء حكومة الإدارة) بدورهم بزعامة كل من بارا Barras وروبل Rewbell ولارفيلييه Larevellie`re . ويبدو أن هؤلاء الثلاثة قد اتخذوا من الشعار الذي تنسبه الروايات إلى البابا ليو العاشر Leo X ، ذلك الشعار القائل: إنه "ما دام الرب قد أعطانا هذا المنصب فدعونا نستمتع به"· لقد كانوا سعداء فيما يبدو بفترة السلام النسبي التي أتاحت لفرنسا أمنا من الناحية الظاهرية، وكانوا قد تعلموا بالخبرة أن المناصب الحكومية غير مضمونة خاصة في أثناء الثورات، فراحوا يستعدون للإطاحة بهم بفرش أعشاشهم ( المقصود راحوا يجمعون الأموال ليؤمنوا حياتهم إذا ما تركوا الحكم)، فعندما عرضت إنجلترا المعزولة عليهم السلام في يوليو سنة 7971 قيل لها إن ذلك أمر يمكن ترتيبه إذا دفعت مبلغ 000·005 جنية إسترليني لكل من بارا Barras وروبل Rewbell واستطاع هؤلاء الأشخاص الآنف ذكرهم الحصول على رشوة - فيما يظهر - من البرتغال، كان مقدارها 000·004 جنية إسترليني، لقاء السلام الذي حصلت عليه من فرنسا في أغسطس من العام نفسه(38)· وكان روبل Rewbell جشعا وكان بارا يحتاج إلى دخل متحرك ( غير ثابت كالمرتبات الحكومية) ليحتفظ بالمدام· أما تاييه Tallien والمرتبطون به فكانوا ذوي نزوات ومتسمين بالمرح، وكانوا في حاجة إلى الأموال للاحتفاظ بمساكنهم الفاخرة في قصر لكسمبرج(48) Luxembourg أما تاليران Talleyrand وزير الشئون الخارجية فقلما كان يفلت فرصة ليجعل الثورة تمول ما يشبع ذوقه الأرستقراطي، وقد أحصى بارا العمولات tips التي يحصل عليها، فوجدها - غالبا - تزيد عن 000·001 جنية (ليفر) في السنة(58)· وفي أكتوبر سنة 7971 حضر إلى باريس ثلاثة مندوبين أمريكيين لفض نزاع حول سفن أمريكية استولى عليها قراصنة فرنسيون مفوضون من الحكومة، على وفقا ما ذكره الرئيس جون آدمز John Adams فقد قيل لهم أنه يمكنهم الوصول إلى اتفاق بتقديم قرض قيمته 23 مليون فلورين Flourins لحكومة الإدارة و "حلاوه" douceur (المقصود رشوة) قيمتها 000·05 جنية إسترليني لتاليران(68)·
لقد واجه هؤلاء الثلاثة ( اعضاء حكومة الإدارة الآنف ذكرهم) كثيرا من المشاكل فقد يجوز لنا التاسمح مهم في معظم أخطائهم - على الأقل فيما يتعلق بإنعاش أنفسهم مساء بابتسامات الغيد الحسان· لقد تجنبوا انهيارا ماليا آخر بجمع الضرائب التقليدية بجدية أكثر من ذي قبل، واستردوا الضرائب التي كانت في حكم الميتة كضريبة الانتقال، وفرضوا ضرائب جديدة - كتلك التي فرضوها على الرخص، والأختام والدمغات وطوابع البريد، وعلى النوافذ والأبواب · لقد ترأسوا أمة ممزقة الجسد والروح ، ممزقة في الدوائر ( المحافظات) وممزقة حتى على مستوى الطبقة الواحدة، ممزقة لتصارع أغراضها:
النبلاء والبلوتوقراط ( الذين حازوا النفوذ بسبب ثرواتهم)، أهالي فيندي الكاثوليك واليعاقبة غير المؤمنين بالكاثوليكية (النص : الملاحدة atheists.)· الاشتراكيون أتباع بابيف Babeuvian Socialists والتجار المطالبون بالحرية، والعوام الحالمون بالمساواة والذين يعيشون على حافة المجاعة· ولحسن الحظ فقد أدت وفرة المحاصيل في عامي 6971 و8971 إلى تقليل أعداد الواقفين في الصفوف للحصول على الخبز·
لقد كان انتصار الليبراليين على أعضاء حكومة الإدارة ذوي الاتجاه الملكي في سنة 7971، من إنجاز الراديكاليين الذين قدموا دعما ضد ذوي الاتجاهات الملكية في ذلك الوقت·
وعن طريق الدفع إلى حد ما (تقديم الرشاوي) استطاع هؤلاء الثلاثة - على أية حال - فرض الرقابة على الصحافة ذات الميول البورجوازية والمسارح والانتخابات غير النزيهة والقبض على المعارضين بلا سابق انذار، وجددوا معركة هيبير Hébertist Campaign ضد الدين·
وتم إبعاد الراهبات عن مهمة تعليم النشء، وعهد به إلى معلمين صدرت إليهم الأوامر بنزع الأفكار الغيبية كلها من المقررات التي يدرسونها(78)· وفي غضون اثني عشر شهرا في عامي 7971 و 8971 تم ترحيل 391 إكليريكياً على السفينة ديكاد décade لم يبق منهم على قيد الحياة بعد ترحيلهم بعامين سوى تسع وثلاثين(88)·
وبينما كان الصراع الداخلي يشتد كان الخطر الخارجي يزداد، ففي هولندا وبلاد الراين أدى جشع حكومة الإدارة إلى خلق أعداء لفرنسا بدلا من الأصدقاء، فقد كانت الضرائب باهظة، وعارض الشباب التجنيد الإلزامي، وزاد الحنق بسبب القروض الإجبارية (الاقتراض بدون رغبة المقرض - بكسر الراء)، والاستيلاء على الذهب والفضة والقطع الفنية من الكنائس ورجال الدين المبعدين، والناس العاديين على سواء· وفي غضون ثلاث سنوات جمعت حكومة الإدارة من بلجيكا ومناطق الراين وإيطاليا بليونين من الجنيهات(98) Livres. وبعد مغادرة بونابرت مصر "واصلت حكومة الإدارة سياسة الفتح أو بمعنى أوضح سياسة السلب، فاحتلت مناطق جديدة بقصد تحصيل الأموال وسلبت السكان وفرضت "التعويضات" على الحكومات المحلية (التعويض هو مبلغ تقدمه الحكومة المحلية لقاء قيام الثورة بتحريرها)· كل ذلك جعل فرنسا ملعونة مكروهة"(09) فقد قال مالي دي با Mallet du Pa وهو موالٍ للنظام الملكي " إن فرنسا تأكل أوربا ورقة ورقة وكأنها - أي أوربا - رأس خرشوفة· إنها - أي فرنسا تحرض الشعوب على الثورة حتى تسلبها، وهي تسلبها حتى تتمكن هي من الاستمرار"(19) لقد أصبحت الحرب مربعة أما السلام فقد يكون مدمرا لها· وقد وجد تاليران أن سفينة الدولة غير ثابتة وتبحر في جو عاصف فقدم استقالته من منصبه الوزاري(02 يوليو 8971) وانسحب ليستمتع بما سلبه(29)·
وكان نابليون قد قدم مثالا حفز غيره على تقليده، بجعل الحرب وسيلة لجمع الأموال، كما أن عملياته الطائشة كانت إلى حد ما مسئولة عن ويلات الحرب التي أوقعت فرنسا في براثن حكومة الإدارة المنهارة· لقد تسرع نابليون كثيرا - وبشكل سطحي - بإخضاع إيطاليا للحماية الفرنسية وترك المناطق التي فتحها في أيدي أتباع ينقصهم ما كان يتصف به هو من حدة ذهن ومهارة دبلوماسية· وكان نابليون قد عول - بشكل متفائل جدا - على رغبة الجمهوريات الإيطالية الجديدة في دفع مبالغ لفرنسا لقاء تحريرها من النمسا، وأساء تقدير موقف إنجلترا العنيف من احتلاله لمالطا ومصر، فما كان يظن أن موقف انجلترا إزاء هذا الاحتلال سيكون بمثل هذه الشدة، وإلى أي مدى ستقاوم تركيا الخاملة دعوة عدوّتيْها القديمتين: روسيا والنمسا إلى الانضمام إليهما لتأديب هؤلاء الثوار محدثي النعمة وإلى أي مدى سيؤدي اهتمام روسيا وبروسيا والنمسا بتقسيم بولندا في شرق أوربا إلى انشغالهم عن إعادة الحق الإلهي إلى الملوك في غرب أوربا·
لقد كانت عروش أوربا كلها تقريبا تتحين الفرصة للانقضاض على فرنسا مرة أخرى· وقد أدرك الملوك أن هذه الفرصة قد سنحت عندما أخذ نابليون معه 000·53 من خيرة جنود فرنسا ورجالها إلى مصر، فحاصروا فرنسا بمجرد انتصار نلسون في معركة أبي قير البحرية، وما نتج عن ذلك من عدم قدرة الجيش الفرنسي في مصر على العودة سريعا إلى فرنسا· وقبل القيصر بول الأول Czar Paul I نتيجة انتخاب ليكون الرئيس الأعلى لفرسان مالطا Knights of Malta وأخذ على عاتقه طرد الفرنسيين من هذه الجزيرة بالغة الأهمية وعرض مساعدته على فرديناند الرابع Ferdinand IV لاستعادة نابلي Naples ، وكان يحلم بأن تكون لروسيا موانىء صديقة في نابلي ومالطا والإسكندرية، وبالتالي بجعل روسيا قوة من قوى البحر المتوسط· وفي 92 ديسمبر سنة 8971 عقد حلفا مع إنجلترا، وعندما سمح الإمبراطور فرانسيس الثاني Francis II بالمرور الآمن في الأراضي النمساوية للجيش الروسي ليمر إلى الراين، أعلنت فرنسا الحرب على النمسا (21 مارس 9971)، فانضمت النمسا - إثر هذا - إلى كل من روسيا وتركيا ونابلي والبرتغال وانجلترا في الحلف الثاني ضد فرنسا·
وتجلى ضعف حكومة الإدارة في هذا الصراع الذي كانت هي السبب في إثارته، وعجزت عن التنبؤ به· لقد كانت بطيئة كسلى فلم تستعد له بما فيه الكفاية، وكانت غير ناجحة في إعداد ميزانية الحرب، وكانت خرقاء في تطبيق سياسة التجنيد الإجباري· لقد جندت 000·002 رجل لم يكن صالحا منهم للخدمة سوى 000·341 وقد مثل من هؤلاء للأوامر 000·79 وفر منهم آلاف في أثناء المسيرة فلم يصل منهم إلى وحداتهم العسكرية المحددة لهم سوى 000·47، وفي معسكراتهم وجدوا الفوضى ضاربة أطنابها ووجدوا نقصا في الملابس والمعدات والأسلحة· وكانت روح الحماسة التي كانت في وقت من الأوقات تغمر الجيش الجمهوري شجاعة ورغبة في القتال، قد اختفت من هؤلاء الرجال الذين عاشوا سنين محبطين حيث الفوضى وخيبة الأمل· لم يكن هناك في ظل حكومة الإدارة الآن (8971) ذلك العزم والنظام الذي ساد في حرب 3971 في ظل لجنة الأمن العام·
لقد كانت هناك بعض النجاحات الأولية والمضللة فقد فتح الفرنسيون بيدمونت Piedmont وتسكانيا Tuscany وجمعوا منهما الضرائب· وانتصار الملك فردينادز الرابع بطرد الفرنسيين من روما، سرعان ما محقه الفرنسيون باستعادة روما بقيادة جان - اتين شامبيون Jean - Etienne Championnet الذي دخل المدينة (روما) في 51 ديسمبر، وتراجع فرديناند بحاشيته مع لادي هاميلتون Lady Hamilton وعشرين مليون دوكات ducat إلى باليرمو Palermo في ظل حماية أسطول نلسون· واستولى شامبيون على نابلي وأقام فيها الجمهورية البارثينوبية Parthenopean Republic تحت حماية فرنسا· وكلما تقدمت الحرب كانت تنضم فرق عسكرية جديدة للقوات الروسية النمساوية الإنجليزية فوجد الفرنسيون أنفسهم أمام قوات تفوق قواتهم عددا (000·071 مقاتل فرنسي مقابل 000·023 من قوات الحلفاء)· وكان الجنرالات الفرنسيون - رغم براعة عمليات مسينا Masséna في سويسرا - تنقصهم قدرة بونابرت على هزيمة قوات أكثر عددا باستخدام استراتيجيات أكثر براعة وتكتيكات ونظم متقدمـة· لقد هزم جوردا Jourdan في ستوكاش Stockach (52 مارس 9971) وتراجع إلى ستراسبورج Strasbourg وتخلى عن منصب القائد· وهزم شيريه Sjérer في ماجنانو Magnono (5 أبريل) وانسحب بقواته بغير نظام ففقد قواته كلها تقريبا وتخلى عن منصبه تاركا إياه لمورو Moreau ، عندئذ أقبل "شيطان الإنس" حقا الإكسندر سفورف Aleksqndr Suvorov على رأس ثمانية عشر ألف روسي وقادهم مع بعض الفصائل النمساوية في معركة شرسة فاستعاد من الفرنسيين المناطق التي كان نابليون قد فتحها في عامى 6971 و7971، منطقة إثر منطقة، ودخل ميلان منتصرا في 72 أبريل فتراجع مورو Moreau إلى جنوا، وانتهت جمهورية سيزالبين Cisalpine النابليونية نهاية مبكرة· ولما وجد ماسينا Massena نفسه وحيدا بجيش صغير في سويسرا تخلى عن فتوحاته هناك وانسحب إلى الراين·
ولما وجد سوفورف Suvorov مدى سهولة استرجاع لمبارديا إلى حوزة النمسا انطلق من ميلان لمقابلة القوات الفرنسية القادمة من نابلي وروما وألحق بها الهزيمة في تريبيا Trebbia ( 71 - 91 يونيو 9971) فلم يبق منها إلا بقايا وصلت جنوا· وبذا انتهت الجمهورية البارثينوبية نهاية مبكرة· واستعاد فرديناند عرشه Neapolitan throne وأقام حكم إرهاب حكم في ظلاله بالإعدام على مئات الديمقراطيين· وقاد جوبير Joubert الذي تولى منصبه مؤخـراً بقايا القوات الفرنسية في إيطاليا ضد سوفورف Suvorov في نوفى: Novi (51 أغسطس ) وتصرف بتهور شديد فلاقى حتفه في مستهل المعركة· لقد حارب الفرنسيون بشجاعة لكن من غير أن يحققوا نتائج طيبة· لقد سقط منهم في ساحة المعركة 000·21، وعندما علمت الحكومة الفرنسية بهذه النكبة التي بلغت ذروتها تحققت أن فتوحاتها التي حصلت عليها بصعوبة شديدة قد ضاعت، وأنه قد يصبح الروس بقيادة سوفوروف حالاً على الأرض الفرنسية· وكان خيال العامة في الألزاس وبروفنس Provence يصور هذا القائد الروسي ورجاله وكأنهم "برابرة عماليق" كموجات عاتية من السلاف المتوحشين تجوس خلال مدن فرنسا وقراها·
إن فرنسا التي كانت إلى عهد قريب فخورة بقوتها وانتصاراتها أصبحت الآن في حالة فوضى وفزع لا تقل عن حالة الفوضى والفزع التي سادتها سنة 2971 والتي أدت إلى مذابح سبتمبر · لقد ثار أهل إقليم فيندي Vendée مرة أخرى وتمردت بلجيكا على حكامها الفرنسيين ، وأصبح خمس وأربعون دائرة (محافظة) من ست وثمانين محافظة - تقريباً بلا حكومة ولا ضوابط، لقد قاتل الشبابُ الضباطَ الذين أتوا لتجنيدهم إجباريا، وجرى قتل موظفي البلديات وجامعي الضرائب وأثار مئات اللصوص وقطاع الطرق الذعر في قلوب التجار والمسافرين سواء في شوارع المدن أم على الطرق الزراعية (المارة بالريف) وفاقت قوة المجرمين رجال الشرطة، ففتحوا السجون وأطلقوا سراح المسجونين وضموهم في تنظيمات شكلوها، وتعرضت المساكن ودور العبادة كلها للنهب· لقد عاد "الرعب الكبير" الذي ساد في سنة 4971 مرة أخرى·
وتطلعت الأمة بأمل طالبة الحماية من نوابها الذين أرسلتهم إلى باريس لكن المجلسين كانا قد استسلما لحكومة الإدارة، وحكومة الإدارة بدورها لم تبد سوى أنها أوليجاركية مغتصبة (حكومة أقلية مغتصبة) تحكم بالرشوة والمغالطلة والقهر ·
وفي مايو سنة 9971 وجدنا سييز Sieyés - الذي كان راهبا في وقت من الأوقات، والذي راح طوال عشر سنوات مضت يغازل الثورة بتوجيه هذا السؤال: ماهي الطبقة الثالثة؟ وكان يجيب عن السؤال الذي طرحه بقوله إنها الأمة ويجب أن يسمي أبناؤها أنفسهم بذلك (الأمة) سييز هذا خرج من ثوب الغموض الذي كان يتدثر به، فتم انتخابه عضوا في حكومة الإدارة وذلك لأنه كصانع دساتير أصبح متفاعلاً مع القانون والنظام ووافق سييز على الخدمة شريطة استقالة روبل Rewbell ، فاستقال روبل بعد أن حصل على ترضية باهظة: 000·001 فرنك(39)· وفي 81 يونيو أرغمت أقلية قوية من ا ليعاقبة في المجلسين حكومة الإدارة على إبعاد لاريفليير Larevelliere وتريهار Treihard ومرلي Merlin على أن يحل محلهم لويس جيروم جوهييه Louis-Jérome Gohier وجان فرنسوا مولي Jean-Francois Moulin وروجر دوكو Roger Ducos · وأصبح فوشي Fouche` وزيرا للشرطة و روبرت ليند Robert Lindt رئيسا للخزانة، وكان كلاهما في لجنة الأمن العام المنحلة وأعيد فتح نادي اليعاقبة في باريس، وراح الناس يسمعون ثناء على روبيسبير وبابيف(49) Babeuf ·
وفي 82 يونيو فرضت الهيئة التشريعية Legislature بتأثير اليعاقبة تحصيل قرض مقداره مئة مليون جنيه (ليفر) على شكل ضريبة تتراوح بين 03% و 57% على الدخول العالية، فاستأجر المواطنون الآثرياء محامين لإيجاد ثغرات في القانون لتحاشي هذا القرض الإجباري وراحوا يصيخون السمع برغبة لحبك مؤامرات للإطاحة بالحكومة· وفي 21 يوليو مهد اليعاقبة لإصدار "قانو ن الرهائن a law of Hostages " والذي بمقتضاه صدرت الأوامر إلى كل كومون في فرنسا أن يعد قوائم المواطنين من النبلاء الذين لا يحميهم القانون في دائرته والتحفظ عليهم وإخضاعهم للمراقبة فإذا حدثت سرقة اتهم فيها واحد منهم تحتم إرغامه على إعادة المسروقات وإن قتل واحد من الوطنيين (المقصود هم الموالون للحكم القائم) تم نفي أربعة من هؤلاء الرهائن· وقد قوبل هذا القرار بصيحات الفزع من الطبقات العليا ولم يرحب به العامة ترحيبا كافياً ·
وبعد عقد من الهياج والنزاع بين الطبقات والحروب الخارجية والقلاقل السياسية والمحاكمات غير القانونية والسلب والنهب والإعدامات والمذابح أصبح أهل فرنسا كلها من ضحايا الثورة فراحوا يتحسرون على الأيام الطيبة التي خلت، أيام لويس السادس عشر وشعروا أنه لا يستطيع أحد أن يعيد إلى فرنسا النظام والسلامة سوى ملك· وأولئك الذين ظلوا على كاثوليكيتهم راحوا يصلون مبتهلين طالبين أن يحل اليوم الذي يتخلصون فيه من حكم الملاحدة atheists ، بل إن بعض المتشككين الذين تخلوا عن المعتقدات الغيبية كلها راحوا الآن يتشككون الآن في إمكانية أن يستطيع نظام أخلاقي لا يدعمه دين مقاومة العواطف والانفعالات غير المنضبطة والدوافع غير الاجتماعية التي ترسخت في قرون انعدم فيها الأمان وسادت فيها الوحشية والقنص، وراح كثيرون من الآباء غير المتمسكين بعقيدة يرسلون أبناءهم إلى الكنائس لأداء الصلوات، وتأدية طقس الاعتراف وتناول العشاء الرباني حتى يعين ذلك كله على تحليهم بالتواضع ولتقوية عرى الروابط الأسرية وتحقيق السلام مع النفس· والفلاحون والبورجوازيون الذين يدينون للثورة بأراضيهم ويريدون الاحتفاظ بهذه الأراضي قد بغضوا الحكومة رغم هذا، فهي ترسل لهم غالبا من يفرض الضرائب على محصولاتهم أو يجند أبناءهم قسراً· وكان عمال المدن صاخبين في مطالبتهم بالخبز بدرجة أ كثر يأساً عن ذي قبل حتى عن فترة ما قبل سقوط الباستيل، لقد رأوا التجار والصناع والسياسيين وأعضاء حكومة الإدارة يعيشون في رغد من العيش فراحوا ينظرون إلى الثورة باعتبارها أحلت البورجوازيين سادةً ومستغلين للدولة بدلا من النبلاء، ومع هذا فقد كان سادتهم البورجوازيو ن ساخطين بدورهم فالطرق غير الآمنة والتي اعتراها الإهمال جعلت التجارة عملية مرهقة ومنطوية على المخاطرة، وأحبطت القروض القسرية (على غير رغبة المقرض بكسر الراء) والضرائب المرتفعة الراغبين في الاستثمار وإقامة المشروعات، ففي ليون Lyons أغلق ثلاثة عشر محلا تجارياً أبوابها من بين خمسة عشر ألفا، باعتبارها غير مربحة، وكان هناك الألوف من العاطلين رجالا ونساء، وكان لي هافر Le Havre وبوردو ومرسيليا قد اعتراها الخراب بسبب الحرب وبسبب الحصار البحري البريطاني· ولم تكن الأقلية التي يزيد تناقصها تستطيع إلا بجهد شاق أن تعقد رباطا بين الثورة والحرية، فقد حطمت الثورة كثيرا من الحريات وأجازت كثيرا من القوانين الإرهابية وأرسلت خلقاً كثيرا رجالا ونساء- إلى السجن أو المقصلة· وراحت النسوة خلا الزوجات ومشرفات البيوت وبنات الأثرياء الجدد وكبار السن ينتقلن من صف إلى صف با ضطراب أمام المحلات مخافة أن ينفد المعروض من البضائع ورحن يتساءلن متى يعود أبناؤهن وإخوانهن وأزواجهن من الحرب؟ أما لهذه الحرب من نهاية؟ وكان الجنود الذين اعتادوا على العنف والسرقة لا يعانون فقط من الهزيمة وإنما أيضا من نقص المؤن ورداءة الطعام، وكان مما يثير غضبهم ما يصل إلى علمهم مرارا بشأن فساد الرجال الذين يقودونهم وأولئك الذين يقدمون لهم الغذاء واللباس، وعندما كان هؤلاء الجنود يعودون إلى باريس أو إلى مدنهم كانو ا يجدون أيضا عدم الأمانة سائدة في المجتمع وفي التجارة والصناعة والمالية والحكومة· لقد كان سراب إيجاد عالم بهيج جديد يتراجع ويتلاشى كلما زادت أيام الثورة ·
وارتفعت الروح المعنوية شيئا ما ولفترة قصيرة عندما وصلت أنباء بأن الحلفاء قد تنازعوا وانقسموا على أنفسهم، وأنهم قد هزموا وتراجعوا في سويسرا والأراضي المنخفضة، ذلك لأن ماسينا Masséna استعاد المبادرة وقسم الجيش الروسي إلى قسمين في زيوريخ Zurich (62 أغسطس 9971) ذلك أن هؤلاء السلاف المرعبين كانوا في حالة تراجع لأن روسيا كانت قد خرجت من التحالف ضد فرنسا وبدأ الفرنسيون يأملون في أن يعود بعض الجنرالات الأكفاء مثل ماسينا Masse`na أو مورو Moreau ، وحبّذا بونابرت الذي عاد من مصر سالما ويقود جماعة منظمة في باريس ويطيح بالسياسيين ويمنح فرنسا الانضباط والأمان حتى لو كان هذا على حساب الحرية· لقد انتهى الفرنسيون إلى نتيجة مؤداها أنه لا يقدر على إنهاء فوضى الثورة، وفرض النظام في فرنسا وإحلال الأمن بها مما هو ضروري لحياة متحضرة سوى حكومة مركزية يقودها زعيم واحد متمتع بالصلاحيات اللازمة ·
| صفحة رقم : 14565 |
|