قصة الحضارة -> عصر نابليون -> خاتمة المطاف -> إلى موسكو -> فرنسا في حالة ركود اقتصادي
2- فرنسا في حالة ركود اقتصادي
1181
وفجأة - كما لو أن بعض القوى الشريرة كانت تُنسّق لإحداث كوارث - بدا كل الاقتصاد المتعدد الأوجه ينهار متمزقا إربا غارقاً في دوامات الفشل البنكي، والاضطرابات في الأسواق، وإغلاق المصانع والبطالة والإضرابات والتمرد بل وخطر المجاعة - كان كل هذا والإمبراطور الأعجوبة الذي لا يمل يخطط لجمع الأموال والجنود ورفع الروح المعنوية لخوض معركة حياة أو موت مع روسيا البعيدة المجهولة الواسعة·
إن أسباب ركود اقتصادي حديث يصعب تحديدها، فكيف سنحلِّل أسباب الركود الاقتصادي في فرنسا في سنة 1181؟ إنه لأمر أشد صعوبة، مما يظن أكبرنا سناً (ممن شهدوا الركود الاقتصادي الحديث)، وهناك مؤرخ نابه(6) أرجع الركود الاقتصادي الفرنسي الآنف ذكره إلى سببين: (1) فشل صناعة الغزل والنسيج في فرنسا في تدبير المواد الخام ورأس المال· (2) وفشل شركات الصرافة في لوبك Lûbeck· لقد كانت مصانع الغزل في فرنسا تعتمد على استيراد القطن الخام إلا أن سياسة حماية المنتجات المحلية التي اتخذتها الحكومة الفرنسية قضت بوضع تعريفة جمركية عالية على مثل هذه الواردات فقلَّ الوارد وارتفعت أثمان القطن، ولم يستطع أصحاب مصانع الغزل دفع المبالغ اللازمة لتشغيل كل أنوالهم، ولم يستطيعوا دفع نسبة الربح العالية التي تفرضها البنوك الفرنسية على القروض· وشعر أصحاب هذه المصانع بضرورة الاستغناء عن المزيد والمزيد من العاملين لديهم· وسرعان ما أعقب فشل بنك لوبك إفلاسات مماثلة في هامبورج وأمستردام أثرت في الشركات والمؤسسات الباريسية· لقد زاد عدد البنوك المفلسة في فرنسا من 71 بنكا في أكتوبر سنة 0181 إلى 14 في نوفمبر من السنة نفسها، إلى 16 في يناير 1181، وأدت ندرة القروض البنكية وارتفاع فوائدها إلى اضطرار الشركات شركة إثر أخرى إلى تقليص عدد العاملين فيها، بل وإيقاف أعمالها، وسرعان ما ازدحمت شوارع المدن الفرنسية بالعاطلين الذين راحوا يعرضون ممتلكاتهم للبيع أو راحوا يتسولون الخبز، بل وانتحر بعضهم(7)· وتكوّنت عصابات من العاطلين في المناطق الشمالية أغارت على المزارع واستولت على الغلال، وفي المدن هاجم العاطلون الأسواق والمخازن واعترضوا حمولات الطعام في الطرق والأنهار ونهبوها· لقد بدت الفوضى التي سادت عام 3971 تعود من جديد·
وأصدر نابليون قرارات بعقوبات قاسية ضد جرائم الإخلال بالنظام العام، وأرسل الجنود لقمع المضربين، ونظم أمر توزيع الطعام مجانا· وأصدر قرارا في 82 أغسطس بإرسال 000،005 هندريدويت من القمح و 000،03 جوال من الدقيق للمراكز ذوات الوضع الحرج· وفي هذه الأثناء خرق هو نفسه الحصار القاري بالسماح باستيراد الغلال من الخارج، ورفع التعريفة الجمركية عن المنتجات الأجنبية التي تنافس الصناعات الفرنسية، ونظّم أمر القروض الحكومية لتمكين الشركات من مواصلة التعيين (التوظيف) والإنتاج، وفي مايو سنة 2181 وضع حدا أعلى لسعر القمح تأسِّياً بسوابق ثورية، لكن هذه المحاولة فشلت لأن الفلاحين منعوا منتجاتهم منه عن السوق حتى ترتفع الأسعار فيحصلوا على السعر الذي يطلبونه· وساعدت الأعمال الخيرية الخاصة الحكومة على تجنب هيجان على مستوى الأمة، فالكونت رمفورت Rumfort العالم الأمريكي البريطاني الذي كان يعيش آنئذ في فرنسا رتب نوعاً من الحساء هو (حساء رمفورت) مكوَّناً أساساً من اللوبيا أو الفاصوليا، والبسلَّة أو الفول، وهو حساء لا تقتصر فائدته على احتوائه على البروتينات النباتية وإنما تُقلل من الحاجة إلى الخبز·
وكانت الأزمة الاقتصادية التي أطلت في أثناء استعدادات نابليون لغزو روسيا اختباراً لقوة أعصابه وربما أسهمت في إضعاف ثقته في نفسه وإضعاف قراراته، ومع هذا فلم يتخل عنه حظه الطيب، فقد كانت البشائر تشير إلى محصول وفير في سنة 2181 وثبت هذا بالفعل، فأصبح الخبز أرخص سعراً، وأصبح يمكن العاطلين - على الأقل - من أن يجدوا ما يسد رمقهم· وفتحت البنوك أبوابها مرة أخرى أو حلت محلها بنوك أخرى وتدفقت القروض وواصلت العاصمة دورها في المصانع وكان لابد من هذا وأصبح من الممكن دفع الأجور بالعمل في إنتاج بضائع قد يستغرق وصولها إلى المشتري نصف عام· وأصبحت الأسواق عامرة مرة أخرى· والآن كان في مقدور نابليون أن يكرس نفسه لحرب لإحكام الحصار القاري الذي كان قد بدأ فعلاً في الإخفاق بسبب تصرفات الأمم وطبيعة البشر·
| صفحة رقم : 14750 |
|