قصة الحضارة -> عصر نابليون -> خاتمة المطاف -> إلى إلبا -> إلى الرّاين

3- إلى الرّاين


لقد زادت قوات الحلفاء عددا وتمويلا· لقد أصبحت الآن نحو 000·294 مقاتل و3831 مدفعا، واستقبل نابليون فرقة عسكرية من الدنمرك، ودفعة مجنّدين كان ينتظرها وأصبح لديه الآن 000·044 مقاتل و0021 مدفع· وكوّن الحلفاء ثلاثة جيوش: جيش الشمال بقيادة بيرنادوت وتمركز في برلين، وجيش سيلزيا بقيادة بلوشر (بلوخر Blucher) المندفع الذي لا تنقصه الشجاعة، وتحلّق جيشه في تشكيلاته المختلفة حول بريسلو (بريسلاو Breslau) والجيش الثالث وهو أكبرها جميعا هو جيش بوهيميا بقيادة الأمير فون شفارتسنبرج Schwarzenberg Vcn المتمركز في براغ· وكونت الجيوش الثلاثة نصف دائرة حول نابليون المتمركز في دريسدن· وُترك لكل جيش من هذه الجيوش حرية القتال لشق طريقة إلى باريس بشكل مستقل· وفي مواجهة هذه الجيوش أعد نابليون جيش الميسرة Left بقيادة أودينو Oudinot لإيقاف بيرنادوت، وجيش الوسط بقيادة ني Ney لمراقبة بلوخر Blucher وجيش الميمنة بقيادته هو نفسه (نابليون) لحراسة الطرق التي قد يُطلق عبرها شفارتسنبرج Schwarzenberg من بوهيميا عدداً كبيراً من قوّاته لقد كانت هناك عيوب في الموقف الفرنسي لم يكن يمكن كما هو واضح تجنبها؛ لم يكن نابليون بقادر على استخدام خطته التي استخدمها في إيطاليا بالتركيز بكل قواته على أحد الجيوش، فهذا قد يودي إلى فتح الطريق إلى باريس للجيشين الآخرين أو أحدهما، وكان يتعيَّن على جيشين من جيوشه أن يتحركا بعيداً عن الأثر المحمّس الذي كان يتركه وجوده في صفوف الجيش، وأدى عدم وجوده إلى حرمان هذين الجيشين من مناورته السريعة وتكتيكاته البارعة وفي 21 أغسطس بدأ بلوخر Blucher معركة خريف 3181 بالتحرك غرباً من برسلو (برسلاو Breslau) لمهاجمة قوات ني Ney من كاتسباخ Katzbach في سكسونيا فأخذهم على غِرّة وفرّوا وقد تملكهم الذعر، فاندفع نابليون من جورليتس Gorlitz بحرسه الإمبراطوري وقوات الفرسان بقيادة مورا Murat لإعادة تنظيم قوّات ني Ney، وقادهم إلى نصر كلف قوات بلوخر 0006 قتيل(21)·
لكن في الوقت نفسه قاد شفارتسنبرج قواته البالغ عددها 000،002 شمالاً في هجوم سريع للاستيلاء على مقر القيادة الفرنسية في دريسدن· واستدار نابليون وكفّ عن متابعة بلوخر Blucher، وقاد 000،001 رجل مسافة 021 ميلاً في أربعة أيام، ووجد أن النمساويين يكادون يتحكمون في كل المرتفعات حول العاصمة السكسونية، وفي 62 أغسطس راح الجيش الفرنسي بقيادة الحرس القديم والحرس الجديد يهتف عاش الإمبراطور وهو - أي الجيش الفرنسي - يقتحم صفوف الأعداء ويحاربهم بضراوة شديدة حتى إن مورا Murat قاد سلاح الفرسان التابع له بتهوّر شديد كما كان يفعل أيام شبابه لدرجة أنه بعد يومين من المعركة، أمر شفارتسنبرج Sehwarzenberg قواته بالتراجع مخلّفاً 0006 من رجاله بين قتيل وجريح وأسير· وكان نابليون نفسه يوجه إطلاق المدافع فأصلى العدو ناراً كثيفة حامية(31)·
وكان إسكندر يراقب الصراع من فوق تل مكشوف، وكان معه مورو Moreau الذي كان قد أصبح أثيراً لديه· وأصابت قذيفة مدفع ساقي مورو فأطاحت بهما، ومات بعد أيام قليلة وسط جيش القيصر، لكنه صاح وهو يموت: أأنا مورو! تصيبني طلقة من الجيش الفرنسي وأموت بين أعداء فرنسا!!(41)·
وتعقّب فاندام VAndamme النمساويين المنسحبين ولم يتبعه نابليون ولم يقدم له دعماً (كان نابليون قد تعرّض لآلام حادة في معدته)، ووقع فاندام في شرك نصبه له العدو فاستسلم مع رجاله البالغين 0007 في 82 أغسطس لأحد أقسام جيش شفارتسنبرج، وبعد ذلك سرعان ما فقد ني Ney 000،51 من رجاله في اشتباكات مع العدو في دنيفتس Dennewitz (6 سبتمبر)، وحزن نابليون لأن نصره الذي أحرزه في دريسدن سرعان ما ضاع هباء· فأرسل (أي نابليون) إلى السينات Senate لاستدعاء 000،021 مجند إلزامي من دفعة 4181 (الدفعة التي يحين وقت تجنيدها في سنة 4181) و 000،061 من دفعة 5181· وكان هؤلاء المجندون الجُدد صغاراً وسيحتاجون لشهور كثيرة لتدريبهم· وفي الوقت نفسه كان 000،06 جندي قد أُضيفوا إل الجيش الروسي، وكانوا ممّن تمرسوا على الحرب في معركة في بولندا، وفي 8 أكتوبر انضم جيش بافاريا Bavaria إلى أعداء نابليون بعد أن كان يقاتل في صفّه·
أما وقد أصبح المتحالفون ضد نابليون على هذا القدر من القوّة فقد أصبح هدفهم هو الاستيلاء على ليبزج (ليبتسج) وأن يحسموا الحرب بمعركة تستطيع فيها قواتهم الموحّدة إحباط أي استراتيجية نابليونية· وفي أكتوبر قاد كلٌّ من بلوخر Blucher وبنجسن Bennigsen وبيرنادوت Bernadotte وشفارتسنبرج Schwarzenberg ويوجين الفيرتمبرجي of Wurttemberg وغيرهم من الجنرالات - قوات من 000،061 رجل حول المدينة· فاستدعى نابليون جيوشه من الشمال والوسط والجنوب فبلغ تعدادها 000،511 رجل بقيادة مارمون Marmont وإسكندر مكدونالد وأوجيرو Augereau وبرتران Bertrand وكليرمان Kellermann وفيكتور، ومورا Murat وني Ney والأمير جوزيف بونياتوفسكي Poniatowski· قلما وجدنا مثل هذه العبقرية العسكرية وقلما رأينا هذا العدد من الجنسيات تتجمع لتتلاقى في معركة واحدة· إنها معركة الأمم أو كما سماها الألمان (فولكرشلاخت Volkerschlacht) والكلمة تعني حرفياً (مذبحة الشعوب)·
واتخذ نابليون موقعاً مكشوفاً في مؤخرة قواته وراح يُوجّه تحركاتها طوال ثلاثة أيام من العمليات (61-91 أكتوبر 3181)، على وفق ما قاله(51) (أي نابليون) فقد ظلَّ للفرنسيين اليد العليا حتى 81 أكتوبر وعندها تحوّل الجنود السكسون Saxon troops إلى القوات المتحالفة ضد نابليون ووجهوا مدافعهم ضدّ الفرنسيين الذين اعترتهم الدهشة وغمرتهم الفوضى فبدأوا يفقدون مواقعهم(61)· وفي اليوم التالي تخلّت كتائب كونفدرالية الراين عن الفرنسيين وانضمت إلى المتحالفين ضدهم· وعندما وجد نابليون أن رجاله بدأت تعوزهم الذخيرة وتعرضوا لخسائر فادحة - أمر بالتراجع (الانسحاب) عبر نهري بليس Pleisse وإلستر Elster· ونجحت معظم القوات الفرنسية في تنفيذ هذا الانسحاب عبر النهرين الآنف ذكرهما لكن مهندساً مُهتاجا نسف جسرا فوق نهر الإلستر Elster بينما كان بعض الفرنسيين يعبرونه، فغرق كثيرون بمن فيهم بونياتوفسكي الأنيق الذي كان قد حارب في صف نابليون ببراعة حتى إنه (أي نابليون) رقاه في ميدان المعركة إلى رتبة مارشال· ولم يصل من بين 000،511 من الجنود الذين حاربوا مع نابليون في ليبزج إلى نهر سال Saale إلاَّ 000،06، لقد وقع الآلاف أسرى، وتلقى الفرنسيون الذين وصلوا إلى نهر سال غذاء وكساء ومؤنا ثم واصلوا طريقهم غرباً إلى المين Main عند هاناو Hanau وهناك حاربوا قوات نمساوية وبافارية وهزموها في 21 نوفمبر وصلوا إلى الراين عند مينز (مينتس Mainz) بعد أسبوعين من الفرار، وعبروا النهر إلى فرنسا·



صفحة رقم : 14757