قصة الحضارة -> عصر نابليون -> الثورة الفرنسية -> الجمعية الوطنية -> ميرابو يدفع ديونه

7- ميرابو يدفع ديونه


Mirabeau


2 أبريل 1971


كان رجل واحد وامرأة واحدة يمكنهما التشكك في بزوغ هذا الفجر الجديد· فبالنسبة للويس وزوجته الملكة بدا التوليري The Tuileries منزلاً زجاجياً ترصد من خلاله الجماهير كل حركة يأتيان بها بموافقة صامتة أو إدانة طال أمدها· وفي 13 أغسطس سنة 0971 تمرد فوج سويسري كان في خدمة الملك في نانسي Nancy بسبب تأخر الرواتب والمعاملة المتسمة بالاستبداد· وأطلق الحرس الوطني النار على بعض المتمردين وتم إرسال بعضهم إلى السفن، كما جرى شنق بعضهم· وتجمع أربعون ألف باريسي عند سماعهم بذلك وهددوا القصر الملكي واتهموا لافاييت Lafayette ولاموا الملك بسبب ما أسموه "مذبحة نانسي" وطالبوه بإقالة وزرائه· وبهدوء غادر نكر Necker في 81 سبتمبر سنة 0971 ليعيش مع أسرته في كوبيت Coppet على ضفاف بحيرة جنيف، ونصح لافاييت الملك بتهدئة باريس بقبولة للدستور(74)· وعلى أية حال فقد كانت الملكة مرتابة في مبدأ التخطيط لجعلها سلطة محركة للعرش، لذا فقد عبرت بوضوح عن بغضها بأن يترك البلاط ويترك لميرابو Mirabeau مهمة إنقاذ الملكية(84)·
ورحب ميرابو· وكان في حاجة إلى المال ليكفي أسلوب حياته المتسم بالإسراف· وشعر أن التضامن أو الائتلاف بين الملك والجمعية هو الخيار الوحيد لحكم يقوم عليه زعماء جماهيريون، ولم يكن يرى تناقضا في متابعة هذه السياسة وسد النقص (العجز) ثانية في موارده المالية· وكان قد كتب في 82 سبتمبر 9871 لصديقة لامارك La Marck : "لقد ضاع كل شيء فسيتم إبعاد الملك والملكة وسترى الجماهير المنتصرة ترقص فوق جثتيهما"(94) وكتب لصديقه هذا نفسه في 7 أكتوبر: "إن كان لك أي تأثير في الملك والملكة فلتحثهما على ترك باريس لأنهما إن لم يفعلا ضاعا وضاعت فرنسا· إنني مشغول بخطة لإبعادهما"(05) وقد رفض لويس هذه الخطة لكنه وافق على تمويل خطة ميرابو للدفاع عن الملكية· وفي أوائل شهر مايو سنة 0971 وافق على أن يدفع ديون المغامر الكبير بالسماح له بمبلغ ألف دولار في الشهر بالإضافة إلى مكافأة مقدارها 000·291 دولار إن هو نجح في إزالة الخلافات بين الملك والجمعية(15)· وفي أغسطس منحته الملكة شرف اللقاء بها لقاء خاصا في حدائقها في سان كلود St. Cloud ·
وكان تأثير الملكة هائلا حتى أن تنين الثورة الصارم اهتز لفرط إخلاصه لها عندما قبل يدها· وتحدث ميرابو لأصدقائه المقربين عن جاذبيتها وسحرها "أنتم لا تعرفون الملكة·· إن لعقلها قوة مدهشة، وهي رجل إذا كان مقياس الرجولة هو الشجاعة"(25)·
وكان ميرابو يعتبر نفسه "شخصا يقبض أو يتسلم أموالاً لكنه لا يشترى"فعلى وفق ما ذكره لامارك La Marck فإنه يقبل أموالاً تدفع له للاحتفاظ بآرائه أو للتمسك بآرائه"(35)· ولم تكن لديه نية للدفاع عن الحكم المطلق (الاستبدادي) بل على العكس فقد كانت الأفكار التي تقدم بها لوزراء الملك في 32 ديسمبر 0971 تشكل برنامجا للتوفيق بين الحرية العامة (حرية الجماهير) والسلطات الملكية: "إننا نخطىء الهدف إذا هاجمنا الثورة فهي حركة أعطت لشعب عظيم قوانين أفضل تستحق أن ندعمها··· وإنما يجب قبول روح الثورة وكثير من العناصر في دستورها·· إنني أقدر نتائج الثورة كلها··· باعتبارها فتوحات لا يمكن الانسحاب منها فلا مجال لتدمير هذه النتائج تحت أي ظروف"(45)·
لقد راح ميرابو يعمل على إنقاذ ما تبقى من السلطات الملكية، يدفعه لذلك إيمانه وإخلاصه من ناحية، وما تلقاه من رشاوٍ من ناحية أخرى· وقد تشككت الجمعية في أمر ذمته لكنها احترمت عبقريته، ففي 4 يناير سنة 1971 اختارته رئيساً لها لدورة عادية مدتها أسبوعان، فأدهش الجميع بانضباطه الإداري وحياد قراراته· وكان يعمل طول النهار ويظل يأكل ويشرب طول المساء، وكان يرافق النساء· وفي 52 مارس استضاف راقصتين من الأوبرا، وفي صباح اليوم التالي أصيب بتقلص معوي حاد، وحضر اجتماع الجمعية في 72 من الشهر نفسه لكنه سرعان ما عاد إلى مقر إقامته منهكا يرتجف·
وانتشر خبر مرضه في باريس فتم إغلاق المسارح احتراما له وحاصر الناس منزله يسألون عن أحواله وتقدم شاب عارضا نقل دمه إليه (55) وقال تاليران Talleyrand له (لميرابو): "إنه من الصعب الوصول إليك فنصف أهل باريس يقيمون بشكل دائم خارج باب منزلك"(65) وفي 2 أبريل 1971 مات ميرابو بعد أن عانى في مرضه كثيراً·
في 3 أبريل طلبت وفود من ناخبي باريس من الجمعية تحويل كنيسة القديس جنيفيف St. Genevieve إلى ضريح ومقبرة لأبطال فرنسا، وهذا البانثيون(ü) Panthèon كما أطلق عليه لا بد أن ينقش على مدخله "إلى عظماء الأمة، فبلاد أجدادهم ممتنة لهم"، وتم تنفيذ ذلك وتم دفن ميرابو في هذا المثوى في 4 أبريل وحضر جنازته فيما يقول ميشيل Michelet عدد غفير فكانت أكبر الجنازات التي شهدها العالم وأكثرها شعبية (75) وقدر المؤرخون عدد من حضرها ما بين 000·003 و 000·004 ملأوا الشوارع وتسلقوا الأشجا ر وأطلوا من النوافذ ومن فوق أسطح المنازل وحضرها كل أعضاء الجمعية الوطنية كلهم ما عدا بيتيو Petion (الذي كان لديه دليل سري على أن ميرابو تلقى أموالاً من الملك) وحضرها كل أعضاء نادى اليعاقبة كلهم وعشرون ألفا من الحرس الوطني، لكأنما ينقلون رفات فولتير أو رفات واحد من أولئك الذين لا يموتون أبداً(85)· وفي 01 أغسطس ظهرت أدلة من بين أوراق الملك تشير إلى دفعه مبالغ لميرابو، وفي 22 سبتمبر سنة 4971 صدرت الأوامر في اجتماع للجمعية بنقل رفات البطل الملوث من البانثيون (مقبرة الخالدين)·



صفحة رقم : 14547