قصة الحضارة -> عصر نابليون -> الثورة الفرنسية -> حكومة الإدارة -> الحكومة الجديدة

الفصل الخامس


حكومة الإدارة


2 نوفمبر 1795- 9 نوفمبر 1799


1- الحكومة الجديدة


كونت هذه الحكومة من خمسة أجهزة (هيئات) أولها مجلس الخمسمائة Les Cinq Cents وخوّل لها اقتراح الإجراءات ومناقشتها لكنها غير مخولة بتحويلها إلى قوانين· وثانيها مجلس الشيوخ Ancients وهو مكون من 052 عضوا لا بد أن يكون الواحد منهم متزوجا وفي الأربعين من عمره على الأقل وهم ليسوا مخولين بوضع التشريعات أو اقتراحها وإنما الاعتراض عليها أو إقرارها (التصديق عليها) وتأتيهم (الاقتراحات resolution ) من المجلس (الجهاز) السابق (مجلس الخمسمائة)· ويكوّن هذان المجلسان آنفا الذكر (الهيئة التشريعية (Corps Legislatif Legislature ويغير ثلثا أعضائهما سنويا على وفق تصويت هيئات المنتخبين (بكسر الخاء) الآنف ذكرها· ويمثل مجلس الإدارة أو حكومة المديرين Directoire السلطة التنفيذية في الحكومة ويتكون من خمسة أعضاء لا يقل عمر الواحد منهم عن أربعين عاما ويتم اختيارهم لمدة خمس سنوات ويقوم على اختيارهم مجلس الشيوخ Ancients من بين خمسين اسماً يقدمهم إليه مجلس الخمسمائة· وفي كل عام يتم اختيار عضو جديد ليحل محل واحد من الأعضاء الخمسة· وتقوم هيئات المنتخبين (بكسر الخاء) في الدوائر (المحافظات) باختيار السلطات القضائية ومسئولي الخزانة وهما سلطتان مستقلتان عن الهيئات (المجالس) الثلاث الآنف ذكرها "مجلس الخمسمائة ومجلس الشيوخ وحكومة (مجلس) الإدارة"· إنها حكومة مراجعات وموازنات صمم نظامها لحماية البورجوازية المنتصرة من العوام غير المنضبطين·
واتخذ مجلس الإدارة (حكومة الإدارة أو الخمسة) مقراً له قصر لوكسمبورج Luxembourg وسرعان ما أصبح فرعا دائماً للحكومة سيطر على الجيش والأسطول ورسم السياسة الخارجية وأشرف على وزراء الداخلية والخارجية والبحرية والمستعمرات والحرب والمالية· وأصبح مجلس الإدارة (حكومة الإدارة) تقريباً مستقلا عن الهيئات الأخرى كما كان الحال بالنسبة للجنة الأمن العام، وذلك بفعل الجاذبية الطبيعية التي تنساب بها السلطة إلى القيادة أو بتعبير آخر بفعل الميل للمركزية·
وكان أول مجلس إدارة تم اختياره مكونا من الخمسة الآتية أسماؤهم: بول بارا paul Barras ولويس مارى دى لاريفيليير ليبو Louis Mari de Larevellierè lépaux وجان فرانسوا ريبل Jean Francsois Lewbell وشارل ليتورنيه Charles Letourneur ولازار كارنو Lazare Carnot · وكانوا جميعا ممن اشتركوا في قتل الملك (بمعنى وافقوا عليه وعملوا له) وكان أربعة منهم يعاقبة وواحد منهم وهو بارا Barras فيكونت (الفيكونت دون الكونت وفوق البارون)، وهم الآن قد كيفوا أنفسهم مع الحكم البورجوازي· وكان جميعهم رجالا ذوي كفاءة لكنهم باستثناء كارنو Carnot لم يكونوا معروفين بالاستقامة الشديدة (لم يكونوا فوق الشبهات)· وإذا كان الاستمرار في الساحة السياسية أو البقاء فيها مقياسا للجدارة فإن بارا Barras هو أكثرهم مهارة وقدرة، فقد خدم لويس السادس عشر ثم روبيسبير وساعد كليهما حتى آخر دقيقة في حياة كل منهما وناور من أجل سلامته بنجاح فاجتاز الأزمة إثر الأزمة من خلال علاقته بالنساء، فقد اتخذ خليلة إثر خليلة، وجمع الثروة وحقق النفوذ في كل فترة وأعطى نابليون جيشا وزوجه وقد عاش بعدهما وعمر حتى مات بهدوء في باريس في وقت عادت فيه لحكم البوربون Bourbonized وقد بلغ من العمر أربعا وسبعين سنة(9281)(1)· لقد عاش تسع حيوات باعها جميعا·
والصعوبات التي واجهتها حكومة الإدارة في سنة 5971 ربما كانت بسبب تعدد المشاكل وكثرتها وتنوعها، مما يعطي حكومة الإدارة عذرا في بعض الأمور التي عجزت عن حلها· فجماهير باريس كانت تواجه دائما المجاعة، والحصار البريطاني قوى من حدة الصراع الاقتصادي لإعاقة حركة نقل الطعام والبضائع وخفض التضخم من قيمة العملة فقد أصبح مطلوبا دفع خمسة آلاف من الأسينات assignates في سنة 5971 لشراء ما كان ثمنه مائة من الأسينات في سنة·0971 وكانت الخزانة تدفع فائدة (أرباحا) على سنداتها بالأسينات على وفق قيمتها الاسمية Face value، مما أدى إلى انضمام أصحاب الدخول الذين كانوا يستثمرون أموالهم في "سندات الحكومة وأسهمها Securities " إلى الفقراء الثائرين(2)· واشترى آلاف الفرنسيين بضائع ومواد غذائية بكميات كبيرة، وبسباق محموم، ليستفيدوا من التضخم بالغش والخداع، فعندما ترتفع الأسعار وتبلغ ذروتها يطرح المضاربون بضائعهم في السوق، وجرى سباق محموم لبيع مخزونات البضائع الرخيصة (التي انهارت أسعارها)، ووجد الأبرياء (غير المضاربين) أن مدخراتهم قد حصدتها قلة نشيطة· لقد واجهت الخزانة الإفلاس مرارا وأعلنته في سنة 5971 مما أفقدها الثقة العامة، وأدى القرض الذي أخذته الحكومة من الأثرياء إلى قيام التجار برفع الأسعار وإلى دمار تجارة الكماليات، وارتفعت نسبة البطالة، واستمرت الحرب ومعها استمر التضخم·
ووسط هذا الفقر وهذا التشوش استمر الحلم الشيوعي الذي كان قد داعب خيال مابلي Mably في سنة 8471 ومورلي Morelly في سنة 5571 ولنج Linguet في سنة 7771، استمر في قلوب الفقراء اليائسين، ووجد هذا الحلم الشيوعي من يعبر عنه في جاك رو Jacques Roux في سنة 3971، وفي 11 أبريل وجدت أحياء الطبقة العاملة في باريس ملصقات تقدم "تحليلا لعقيدة بابيف Babeuf " نقرأ بعض موادها كالتالي:
"1- لقد جعلت الطبيعة لكل الناس حقوقا متساوية في الاستمتاع بالسلع كلها·····
3- فرضت الطبيعة على الإنسان العمل، فلا يمكن منع أى إنسان (لم يرتكب جريمة) عن العمل·
7- في المجتمع الحر لا يجب أن يكون هناك غني وفقير·
8- الثري الذي لا يساهم بما لديه من فائض لمساعدة الفقراء هو عدو للشعب·····
01- هدف الثورة هو القضاء على التفاوت (عدم المساواة) وتحقيق السعادة العامة·
11- الثورة لم تنتهِ لأن الأثرياء يمتصون السلع كلها من كل نوع ويسيطرون وحدهم [على السوق] لا يشاركهم أحد، بينما العمال الفقراء كعبيد حقيقيين·· ولا تعتبرهم الدولة شيئا مذكورا·
21- دستور 3971 هو قانون فرنسا الحقيقي··· وقد أطلق المؤتمر الوطني النار على الشعب الذي طالب بالإبقاء على هذا الدستور وأيدوه·· فدستور 3971 أقر الحق الثابت لكل مواطن لممارسة حقوقه السياسية وحقه في الاجتماع والمطالبة بما يعتقد أنه مفيد، وحقه في تعليم نفسه وحقه في ألا يموت من الجوع، وهي جميعا حقوق عارضها بشكل كامل وبصراحة دستور 5971 الذي يمثل الثورة المضادة أو بتعبير آخر المناهض للثورة Counterrevolutionary "(3)·
وقد ولد صاحب هذا المنشور وهو فرنسوا إميل بيبيف Franscois Emile " Gracchus" Bebeuf في سنة 0671 وذكر التاريخ اسمه للمرة الأولى في سنة 5871 كمندوب عينه ملاك الأراضي لدعم حقوقهم الإقطاعية على الفلاحين· وفي سنة 9871 غير اتجاهاته فوزع نشرة Cahier يطالب بإلغاء العوائد الإقطاعية· وفي سنة 4971 استقر في باريس فدافع عن الثيرميدوريين (نسبة لشهر ثيرميدور أي شهر الدفء في التقويم الجمهوري) ثم ما لبث أن هاجمهم، فقبض عليه وظهر في سنة 5971 كشيوعي متحمس، ونظم بسرعة "رابطة المساواه" أو رابطة الأنداد " Sociéte des `Egaux وقد أتبع تحليله " الذي أوردنا فقرات منه آنفا بإعلان جعل عنوانا له: "قرار العصيان المسلح" موقع باسم لجنة العصيان المسلح للأمن العام· ومن مواده القليله:
"01- المجلس (المقصود مجلس الخمسمائة ومجلس الشيوخ) وحكومة الإدارة اغتصبا السلطة، وسوف يتم حلهما، وسيحاكم الشعب أعضاءهما فورا·
81- وضع الممتلكات العامة والخاصة تحت رعاية الشعب·
91- سيكون من مهام الجمعية الوطنية National assembly المكونة من ديمقراطي عن كل دائرة (محافظة) معين من قبل المتمردين (الخارجين عن السياسة والتنظيمات الحالية) والتي تحمل اسم لجنة العصيان المسلح واجب إنهاء الثورة وفرض الحرية والمساواة ودستور 3971 على الجمهورية· وسيكون هذا الحق قصرا عليها (على لجنة العصيان المسلح)·
وستبقى هذه اللجنة بشكل دائم حتى يتم إنجاز العصيان المسلح بشكل شامل(4)·
لقد كانت هذه الدعوة المشئومة كدعوة لدكتاتورية جديدة· إنها مجرد تغيير روبيسبير بروبيسبير آخر، وبالغ بيبيف Bebeuf في حلمة هذا، فكتب في صحيفته التي تحمل عنوان "منصة (أو منبر) الشعب Tribune du peuple "·
"لا بد أن يكون ما يملكه الفرد متناسبا مع دوره في [إنتاج] سلع المجتمع، وأي ممتلكات تزيد عن هذا الدور، تم تحصيلها بالسرقة والاغتصاب، فمن العدالة إذن سلبهم هذه الممتلكات (أو الثروات)· والشخص الذي يبرهن أنه يستطيع بقوته (بطاقته) الشخصية أن يكسب أو يعمل ما يكسبه أو يعمله أربعة أشخاص إنما هو برغم ذلك يتآمر على المجتمع لأنه يدمر مبدأ المساواة الغالي···· لا بد للتمرد الاجتماعي المسلح أن يستمر حتى يزيح أى شخص لديه أمل أن يكون أغنى من الآخرين أو أقوى منهم أو أكثر تميزا منهم بحكم تنوره ومواهبه· إن الخلاف والتنافر أفضل من الوئام البشع الذي يموت المرء في ظلاله جوعا· دعونا نعود إلى الفوضى والاضطراب، ومن خلاله دعوا خلقاً جديدا يظهر للوجود"(5)·
وأخبر أحد العملاء المحرضين agent Provocateur حكومة الإدارة أن أعدادا متزايدة من أهل باريس يقرأون ملصقات بابيف Babeuf وصحفه وأنه يجري الإعداد لثورة مسلحة في 11 مايو 6971 وفي 01 مايو صدر أمر بالقبض على بابيف والزمرة ذات الموقع القيادي المرتبطة به: فيلبو بوناروتي Filippo Buonarrotti و أ· دارثي A. Darthe` و م· ج· فادييه M. G. Vadier و ج·- ب· درو J.- B. Drouet · وتمت محاكمتهم في فيندوم Vendome في 72 مايو سنة 7971 بعد سجن دام عاما فشلت فيه مساعي إطلاق سراحهم· وصدر الحكم بسجن بوناروتي وهرب درو Drouet أما بابيف ودارتى Darthe` فحكم عليهما بالإعدام فحاولا الانتحار لكن الجلادين أسرعوا بهما إلى المقصلة قبل أن تفيض روحاهما· وبطبيعة الحال كانت خطتهما غير عملية تبسط طبيعة الانسان تبسيطا شديدا لدرجة أنه حتى برولتياريا باريس لم يأخذوا أفكاره على محمل الجد، بالإضافة إلى أن فرنسا بأغنيائها وفقرائها وجدوا في سنة 7971 بطلاً جديدا· إنه أكثر الحالمين سحرا وأكثر المنفذين مدعاة للإبهار في التاريخ السياسي للبشرية·



صفحة رقم : 14559