قصة الحضارة -> عصر نابليون -> الثورة الفرنسية -> حكومة الإدارة -> جوزفين دي بوهارنيه

3- جوزفين دى بوهارنيه


كانت جوزفين كروليّةً Creole (وهي كلمة تطلق على من كان من سلالة فرنسية أو أسبانية ولكنه ولد في المستعمرات الاستوائية وترعرع فيها)· وقد كانت جزيرة مارتينيك Martinique الواقعة في البحر الكاريبي فرنسية طوال 821 عاما عندما ولدت مارى جوزيف روز تاسكر دى لا باجيرى Marie Josephe Rose Tascher de la Pagerie هناك في سنة 3671 من أسرة أورليان Orléans العريقة· وكان عمها البارون دى تاسكر de Tascher حاكما للميناء، وكان أبوها وصيفاً في مقر أم لويس السادس عشر ماري جوزيف Marie Josephe· وتلقت جوزفين تعليمها في دير سيدات العناية الإلهية في فورت رويالFort Royal (الآن فورت دى فرانس (Fort de France عاصمة الحكومة الاستعمارية· وكان المنهج الدراسي في ذلك الوقت يتكون من تعليم مبادىء العقيدة الدينية بطريقة السؤال والجواب وتعليم السلوك (الاتيكيت) وفن الخط والرسم والتطريز والرقص والموسيقا إذ كانت الراهبات المعلمات يعتقدن أن هذا أجدى نفعا للمرأة من تعليمهن اللاتينية واليونانية والتاريخ والفلسفة· وقد أثبتت جوزفين أنهن كن على صواب· فقد أصبحت - أي جوزفين - فيما تقول مدام دى بومبادر de Pompadour "كطبق شهي مقدم لملك"·
وفي السادسة عشرة من عمرها جيء بها إلى فرنسا وزوجت من الفيكونت (دون الكونت وفوق البارون) الكسندر دى بوهارنيه وهي في التاسعة عشرة من عمرها ومع صغر سنها فإنها كانت بالفعل قد خبرت فن الغزل وطرائقه في المجتمع الأرستقراطي الفرنسي· لكن سرعان ما كشف غياب زوجها الطويل والمتكرر انخراطه في ممارسة الرذيلة مما جعل جوزفين الحساسة تقتنع أن القائد السادس Sixth Commandant لم يخلق ليكون من الطبقات العليا، فوقفت حياتها بإخلاص لطفليها: يوجين Eugene (1871 - 4281) وهورتنس Hortense (3871 - 7381) وقد ظلا وفيين لها طول حياتهما·
وعندما قامت الثورة مال الفيكونت إليها وكيف سياساته معها وظل محتفظا برأسه طوال خمس سنوات، لكن كلما تقدم الإرهاب أصبح أي لقب من ألقاب النبالة يعرض حاملة للقبض عليه، وبالفعل ففي سنة 4971 تم القبض على الكسندر وجوزفين وأودع كل منهما في سجن منفصل وفي 42 يوليو قصت المقصلة رقبة زوجها·
وبينما هي تنتظر المصير نفسه عرض عليها الجنرال لازار هوش General Lazare Hoche حبه فلبت بهيت لك(23)، فكانت من بين النبلاء كثيرى العدد الذين تم الإفراج عنهم بعد سقوط روبيسبير·
ولما أصبحت تقريباً معدمة لمصادرة ثروة زوجها وكانت في الوقت نفسه حريصة على تعليم أبنائها، استغلت عينيها الزرقاوين المغريتين وجمالها الهادىء الجاذب لعقد صداقة مع تاييه Tallien وأصبحت عشيقة لبارا Barras الصاعد نجمه(33)، وبذا عاد إليها كثير من أموال بوهارنيه المصادرة بما فيها عربة أنيقة ومجموعة خيول سوداء(43)· وأصبحت الآن في المرتبة الثانية بعد مدام تاييه مباشرة تأثيرا في مجتمع حكومة الإدارة وقد وصف نابليون صالونها بأنه "أكثر صالونات باريس تميزا"(53)·
وكان نابليون يحضر بعض الأمسيات في صالونها، وكان مفتونا بمفاتنها الناضجة ودلالها السهل وتصرفاتها الحلوة بشكل يفوق الوصف"على وفق وصف أبيها المتسامح"(63)· ولم تكن جوزفين معجبة ببونابرت الذي بدا لها شاباً نهما ذا نظرة جائعة تنادي" بالإضافة إلى أن دخله غير قابل للزيادة· وأرسلت ابنها وكان في ذلك الوقت في الرابعة عشرة من عمره ليلتمس مساعدته لاستعادة سيف زوجها المصادر· وكان يوجين (ابن جوزفين) فتى وسيما بسيطا حتى أن نابليون وافق مباشرة على التدخل في الأمر، وأعاد لها السيف بالفعل، فدعته جوزفين لتشكره ودعته لتناول الغداء عندها في 92 أكتوبر، فأتى إليها وأصبح راغبا فيها أو بتعبير آخر لقد غزته he was Conquered وفي أوائل شهر ديسمبر سنة 5971 لم تكتف بالخضوع بالقول لهذا الذي أصاب قلبه مرض العشق، وإنما خضعت بالفعل فقدمته لسريرها(73)، لكنهما عزفا عن الزواج· وفيما راح نابليون يستغرق في سرد ذكرياته في جزيرة سانت هيلينا St. He lena فقال: "إن بارا Barras أسدى إليّ خدمة عندما نصحني بالزواج من جوزفين· لقد أكد لي أنها تنتمي إلى المجتمعين؛ القديم والجديد معا، وأن هذه الحقيقة ستكون مزيداً من الدعم لي، فقد كان منزلها هو أفضل منازل باريس، وستخلصني من اسمي الكورسيكي، وأخيرا فبالزواج منها يمكنني أن أصبح فرنسيا تماما "(83)· وقام بارا Barras أيضا بتوجيه النصح لجوزفين لتحقيق الغرض نفسه (زواجها من نابليون) لأسباب لا تزال موضع خلاف(93)· إذ قال لها إنه رجل تشير الدلائل كلها أنه سيحقق لنفسه مركزا عاليا في العالم· ولم يهتم نابليون بأمر عشقها السابق لآخرين ولم يكن ذلك عائقا أمامه للزواج منها إذ كتب لها: "كل شيء فيك يعجبني·· حتى عندما أتذكر ما ارتكبتينه من أخطاء···· فالفضيلة بالنسبة لي هي ما قمت به"(04)·
وقد تزوجا في 9 مارس سنة 6971 على وفق إجراءات مدنية (وليس كنسية)، وشهد على وثيقة الزواج كل من تاييه Tallien وبارا Barras ولم يحضر أحد من أقارب العروسين· وليخففا من حدة فارق العمر بينهما إذ كان نابليون في السابعة والعشرين من عمره، بينما هي في الثالثة وا لثلاثين، سجل نابليون أن سنه ثمانية وعشرون عاما، وسجلت جوزفين أن سنها تسعة وعشرون عاما(14)· وقضى العروسان ليلة الزواج الأولى في منزل العروس، لكن جوزفين أبدت مقاومة حاسمة لا تراجع فيها فيما يتعلق بكلبها المدلل المسمى بالمحظوظ Fortune` ، إذ قال لها نابليون (كما روى لنا): "هذا السيد (يقصد الكلب) أسيظل شاغلاً سرير المدام··· إنني أريد منه أن يغادر السرير· لكن لم تكن هناك جدوى من مطالباتي فقد قيل لي إما أن أشارك الكلب في النوم فوق السرير، أو أن أنام في أي مكان آخر· لقد كان عليّ أن أقبل هذا الأمر لكن هذا الكلب المدلل كان أقل مجاملة مني"· ففي أسوأ لحظة ممكنة عقر ساقي عقرة شديدة خلفت ندبة ظلت فترة طويلة(24)·
وفي 11 مارس كان نابليون ممزقا بين هذه البهجة الجديدة، وعاطفته الطاغية للسلطة والعظمة، فترك البهجة الجديدة ليقود جيشا لغزو إيطاليا في إحدى أكثر المعارك عبقرية في التاريخ·



صفحة رقم : 14561