قصة الحضارة -> عصر نابليون -> ملوك أوروبا في مواجهة التحدي -> الشعب الألماني -> الأخلاق

4- الأخلاق


كانت قواعد السلوك والأخلاق قائمة على الاعتقاد في إله رحيم منتقم، يشجع كل تواضع ويراقب كل عمل ويعلم ما تخفي الصدور، لاينسى شيئا، وهو صاحب الحق ومالك القوة، ليصدر الحكم ويعاقب أو يعفو· إنه إله الحب والانتقام إنه السيد المهيمن مالك الجنة والنار (وهي صورة الإله في العصور الوسطى)· هذه العقيدة الكئيبة والتي ربما كان لابد منها ظلت موجودة بين الجماهير وساعدت رجال الدين والأرستقراطيين Junkers والجنرالات والبطارقة على التحكم في جماهيرهم (قطيعهم) والفلاحين والجنود والبيوت· لقد تطلبت الحروب الدورية والمنافسة التجارية والحاجة للانضباط الأسري، تأصيل وصياغة عادات الطاعة والتنفيذ لدى الشباب وعادات التواضع المبهج والعمل داخل المنزل لدى البنات، والصبر والإخلاص لدى الزوجات، والقدرة الصارمة على القيادة لدى الزوج والأب·
وكان الرجل الألماني العادي يجد من الحكمة أن يكون وقورا أمام زوجته وأبنائه ومنافسيه وموظفيه، رغم أنه- بعيدا عنهم - يكون مرحا محبا للفكاهة - على الأقل عندما يكون في الحانة· وهو - أي الألماني العادي - يعمل بجد، ويتوقع الشيء نفسه ممن يعملون تحت إدارته، وهو يحترم التقاليد والتراث باعتبارهما نبع الحكمة وعمود المصداقية· والعادات القديمة تمكنه من مواجهة مهامه اليومية وارتباطاته بفكر منظم مريح· وهو متمسك بدينه كتراث مقدس وهو شاكر له لأنه يعينه على تدريب أبنائه على المودة والنظام والانضباط· وهو يتبرأ من الثورة التي أشاعت الفوضى في فرنسا ويكره استعجال الشباب الألماني وهياجهم متمثلة في تحللهم الطائش من العلاقات الراسخة، اللازمة بشكل حيوي لضبط المنزل والدولة· وهو - أي الرجل الألماني العادي - يجعل زوجته وأبناءه تابعين له، لكنه يستطيع أن يكون إنسانيا ومحبوبا في منزله في الوقت نفسه وهو يعمل بلا ملل ولا كلل لمواجهة احتياجات أسرته البدنية والعقلية والنفسية·
وقد قبلت الزوجة وضعها دون كبير مقاومة لأنها مقتنعة أن الأسرة الكبيرة في بلد غير آمن يحيطه الأعداء، في حاجة إلى يد ثابتة صارمة· وهي في المنزل - كتابعة لزوجها وملتزمة بالقانون (الشريعة) - تصبح مقبولة كسلطة موجهة، وغالبا ما كانت دوما تحظى بحب أولادها طوال الحياة· وكانت راضية بدورها كأم للأطفال مبرأة من الإثم(9) تحافظ على بقاء الجنس البشري·
لكن كانت هناك أصوات أخرى· ففي سنة 4771 كان تيودور فون هبل Theodore Von Hippel قد سبق ماري فولستونكرافت Wdlstonecraft بثمانية عشر عاما، إذ نشر كتابه (عن الزواج) فكان صوتا رجوليا للدفاع عن تحرير المرأة· لقد اعترض على قسم الزوجة على طاعة زوجها إذ كان من رأيه أن الزواج مشاركة وليس تبعية الزوجة لزوجها، فهي شريكة له· وطالب بتحرير المرأة تحريرا كاملا ليس فقط بإعفائها من قسم الطاعة بل لأهليتها للمناصب بل لأعلى المناصب، وذكر بعض النسوة الحاكمات في عصره - كريستينا في السويد وكاترين في روسيا، وماريا تريزا في النمسا· وإذا لم ينص القانون على التحرر الكامل للمرأة، فإن من الأمانة أن نحول مصطلح حقوق الإنسان إلى مصطلح حقوق الرجال(01) ولم تصغ إليه ألمانيا لكن - بتأثير الثورة الفرنسية وانتشار الفكر الراديكالي في ألمانيا - شهدت نهاية القرن 81 وبداية القرن 91 هبة لنساء متحررات كن كثيرات العدد في الفترة التي نتحدث عنها، لكن كانت حركة تحرير النساء في فرنسا في القرن الثامن عشر هي الأكثر ألمعية، ولم تتسم الحركة في كلا الكيانين بالطيش والتهور· ولم تنظر الحركة الرومانسية - التي كانت صدى للتروبادوريين في العصور الوسطى - للمرأة كأم كديمتر Demeter ولا كعذراء كمريم وإنما كباقة ورد تجعل المرء ثملاً معجبا بحيويتها (أي المرأة) الجسدية والعقلية ولابأس من شيء من الغيبة والقيل والقال بل والفضائح لإكمال الإغراء (لإثارة الفتنة)· لقد لاحظنا أن هنريتا هيرز (هيرتز)، ودوروثا مندلسون Mendelssohn - بالإضافة إلى كارولين ميشيل Caroline Michaelis (ابنة جوتنجن أورينتالست Gottingen Orientalist) التي كانت - وهي أرملة ثورية - قد تزوجت أوجست فون شليجل وطلقته وتزوجت من الفيلسوف شيلنج· وهناك تيريزا فورستر التي ضارعت زوجها في اتجاهها الجمهوري، وتركته (أي تركت زوجها) لتعيش مع دبلوماسي من سكسونيا، وكتبت رواية سياسية (the Seldorf family) أحدثت ضجة في بلاد الراين· لقد كتب فيلهلم فون همبولدت أنها بتفوقها الفكري كانت واحدة من أكثر النساء جدارة بلفت النظر إليها في عصرها(11) وهناك راشيل ليفن فارنهاجن فون إنس Ense التي كان يتردد على صالونها دبلوماسيو برلين ومفكروها، وهناك بتينافون أرنيم Bettina Von Arnim التي رأيناها تحوم حول بيتهوفن وجوته (جيته) ورأينا نسوة مثقفات - لسن ثوريات تماما يفقن جوته بريقا في فيمار: إنهن الدوقة لويزا Luise وشارلوت فون كالب Kalb وشارلوت فون شتاين Steins وكان من الطبيعي أن تؤدي حركة تحرير المرأة في المدن الألمانية الكبيرة إلى تخفيف الكوابح الأخلاقية، فقد اتخذ فريدريك وليم الثاني خليلات، وضارعه بعد ذلك في هذا الأمير لويس فرديناند، وازداد بدرجة كبيرة الزواج عن حب لأن الشباب الأصغر سنا تخلى عن البحث عن زوجة ذات مال إلى زوجة يعشقونها ذات جمال (أي راحوا يبحثون عن النشوة الرومانسية)، وراح جوته المسن ينظر بازدراء من فيمار لحياة الترف التي يحياها أفراد الطبقات العليا وذوو المكانة في برلين لكنه تبنى الأخلاق الجديدة عندما ذهب إلى منتجعات كارلسباد Karlsbad حيث رأى النسوة يعرض أنفسهن بخيلاء في ملابسهن المتمشية مع (المودة) الجديدة على نحو ما كانت تفعل مدام تاليا Tallien ونساء آل بوهارنيه Beauharnis في باريس في سنة 5971·
وضارع الفساد السياسي هذا الانحلال الجنسي، فكانت الرشوة أداة أثيرة يستخدمها الدبلوماسيون، وكانت الرشوة سائدة في الجهاز الإداري في الدول الألمانية الكاثوليكية والبروتستنطية على سواء· وبدا رجال الأعمال أكثر أمانة من رجال السياسة وكان البورجوازي حتى إذا تزوج من امرأة متساهلة relaxed فإنه يجعلها بمعزل عن حفلات السمر على طول نهر السبري Spree وعلى أية حال ففي هذه الأثناء كانت الجامعات تصب في الحياة الألمانية وفي قيم الأخلاق فيها شبابا لم يحظ بالقدر الكافي من التعليم فكان كعملية هدم في خلايا المجتمع الحية تسبب له ازعاجا·



صفحة رقم : 14720