قصة الحضارة -> عصر نابليون -> ملوك أوروبا في مواجهة التحدي -> الشعب الألماني -> الفن
7- الفــن
لم يكن هذا العصر في ألمانيا مواتياً لعلم أو فن، فالحرب إما دائرة بالفعل وإما على وشك، فاستنزفت ثروات البلاد وحماسها، وكان قيام أفراد (من النبلاء أو الأثرياء) برعاية الفنون، أمراً نادرا، وإن حدث، فإنه يكون غير ثابت· وكانت متاحف ليبزج (ليبتسج) وشتوتجارت وفرانكفورت، ودريسدن وبرلين تعرض الأعمال الفنية الخالدة (والمدينتان الأخيرتان على نحو خاص) لكن نابليون نقلها إلى اللوفر Louvre·
ومع هذا فقد أنتج الفن الألماني بعض الأعمال الجديرة بالذكر وسط هذا الاضطراب العظيم، وبينما كانت باريس ترقص مع حالة اللاتكوّن (حالة لم تتضح فيها الأمور تماما) رفعت برلين بنيان بوابة براند نبورج Brandenburg شامخة· لقد صممها كارل جوتهارد لانجهانز Karl Gotthard Langhans (2371 - 8081) على الطراز الدوري الإغريقي بأعمدة ذوات أقنية (جمع قناة أي نحت في العمود من أعلى إلى أسفل يبدو وكأنه قنوات) وأقام على هذه البوابة قوصرة (مثلث في أعلاها) كما لو كان يعلن بهذه القوصرة موت طراز الباروك والروكوكو، لكن هذا البنيان بشكله الراسخ كان يعلن بشكل أساسي قوة آل هوهنتسولرن Hohenzollerns وتصميمهم على ألا يدخل برلين عدو· لكن نابليون دخلها في سنة 6081 ودخلها الروس في سنة 5491·
وحقق فن النحت تقدماً ملموسا· إنه في الأساس فن كلاسي يعتمد على الخط ويتحاشى (منذ القدم) اللون، كما أن عدم الاتساق في الطراز الباروكي baroque، والمرح في طراز الروكوكو Rococo لا يتفقان مع روحه· لقد نحت جوهان (يوهان) فون دانكر Johann Von Dannecker بإزميله لمتحف شتوتجارت تمثاليْه (a Sappho) و (فتاة كاتو لس مع الطائر Ctullus, Girl with the Bird) وتمثاله (أريادن Ariadne) لمتحف بثمان Bethmann في فرانكفورت، والتمثال النصفي الشهير لشيلر Schiller لمكتبة فيمار Weimar· أما يوهان (جوهان) جوتفريد شادو Johann Gottfrird Schadow (4671 - 0581) فبعد أن درس على يد كانوفا Canova في روما عاد إلى بلده برلين، وفي سنة 3971 لفت انتباه العاصمة (برلين) بأن وضع عند قمة بوابة براندنبورج Brandenburg كارديجا Qradriga (مركبة بعجلتين) تجرها أربعة خيول يرشدها (يقودها) النسر المجنح الذي كان موجودا في المركبات الرومانية· ونحت لشتتن Stettin تمثالا من رخام لفريدريك الكبير واقفاً في ثياب عسكرية يحرق أعداءه بناظريه، لكن يوجد عند قدميه مجلدان كبيران ليشهدا أنه مؤلف أيضا، ونسي النحات فلوته (الفلوت آله نفخ موسيقية)، والتمثال الأكثر رقة هو تمثال يمثل عملا نحتيا واحدا للملكة لويز Luise والملك فريديك (7971) وقد تغطى نصف كل منهما بالجوخ ووضع كل منهما ذراعه في ذراع الآخر، وهما يتحركان بهدوء رمزا للعلو والسمو والأسى· لقد ألهمت الملكة الفنانين بجمالها وعاطفتها الوطنية وموتها· وقد خصص هينريش (هينريخ) جنتس Heinrich Genz (6671 - 1181) ضريحا ضخما مهيبا في شارلوتنبورج Charlttenburg ونحت كرستيان راوخ Rauch 7771 - 7581) قبرا جديرا بجسدها وروحها·
وكان الرسم الألماني لايزال يعاني من فقر الكلاسية الجديدة يحاول أن يعيش على رماد البومبية Pompeii (نسبة إلى مدينة بومبي الأثرية الرومانية - في إيطاليا) ومواطن الآثار الهرقلية، ومباحث ليسنج Lessing وفنكلمان Winckelmann، ووجوه منج Mengs وديفد David الشاحبة والخيالات الرومانية لأنجليكا كاوفمان Angelica Kaufman وما لاحصر له من الرسامين· لكن هذا التنصل (هذا الأسلوب في إزالة الألوان Decoloration) لم يكن له جذور حية في التاريخ الألماني والشخصية الألمانية، فالرسامون الألمان في هذا العصر كانوا لا يبالون بالكلاسية الجديدة، فعادوا للخلف يستلهمون المسيحية، وما وراء حركة الإصلاح الديني وعدائها للفن ولا مبالاتها به، وإلى ما قبل الرافيئيلية في إنجلترا Pre _ Raphaelities، وراحوا يصغون لأصوات مثل أصوات فيلهيلم فاكنرودر Wilhelm Wackenroder وفريدريش شليجل Schlegel تدعوهم للعودة للأصول إلى ما قبل رافائيل، العودة إلى الفن الوسيط (الفن في العصور الوسطى) الذي قدم لنا رسوما ومنحوتات تتسم بالبساطة وتمرح في سعادة في حضن إيمان غير مهتز· ومن هنا ظهرت مدرسة في الرسم عرفت باسم أهل الناصرة Nazarenes (إشارة إلى استلهامهم التراث المسيحي الأول، ولا يعني هذا أنهم من الناصرة)·
وكان زعيم هذه المدرسة هو يوهان (جوهان) فريدريش أو فربك Overbeck (9871 - 9681) الذي ولد في لوبك Lubeck وحمل معه خلال ثمانين عاما الجدية الصارمة للأسر التجارية العريقة والضباب المنتشر الذي يصل لوبك من بحر البلطيق· ذهب إلى فينا لدراسة الفن فلم يجد في الكلاسية الجديدة غذاء يطعمه هناك وفي سنة 9081 أسس هو وصديقه فرانتس بفر Franz Pforr أخوية القديس لوقا Brotherhood Lukan التي تهدف إلى إعادة إحياء الفن وإنعاشه بتكريسه لإيمان أعيد تجديده كما كان موجودا أيام البرخت (البريشت) دورر Durer (1741 - 8251)· وفي سنة 9181 هاجرا إلى روما لدراسة بيروجينو Perugino وغيره من رسامي القرن الخامس عشر، وألحقا في سنة 1181 ببيترفون كورنيليوس Von Cornelius (3871 - 7681) وبعد ذلك بفيليب فيت Veit وفيلهلم فون شادو - جودنهاوس Schadow - Godenhaus وجوليوس (يوليوس) شنور فون كارلسفلد Julius Schnorr Von Carolsfeld·
لقد عاشا على النباتات كقديسين في دير منعزل على جبل بنشيو Monte Pincio هو دير سان إيزيدورو Isidoro وقد راح أوفربك Overbeck بعد ذلك يستعيد ذكرياته فقال: لقد عشنا حياة ديرية حقة، ففي الصباح كنا نعمل معا وفي منتصف النهار نطبخ غداءنا الذي لم يكن يتكون إلا من الحساء والسجق أو بعض الخضروات السائغة وكان كل منهما يعتني بالآخر· لقد تجاوزا كنيسة القديس بطرس لأن فيها كثيرا من الفن الوثني) واتجها أكثر إلى الكنائس القديمة والأديرة مثل دير القديس جون لاتيران Lateran ودير القديس بولس خارج أسوار روما· وارتحلا إلى أورفيتو Orvieto لدراسة سيجنوريللي Signorelli وإلى فلورنسا وفيزول Fiesole لدراسة فرا أنجليكو Fra Angelico· لقد قررا ألا يقوما برسم الصور الشخصية أو أية رسوم للزينة، وإنما كان قرارهما أن يعودا بالرسم إلى عصر ما قبل رافائيل وتكريسه لتشجيع الإيمان المسيحي والوطنية المرتبطة بالعقيدة المسيحية·
وواتتهم الفرصة في سنة 6181 عندما عهد إليهما القنصل البروسي في روما - بارثولدي J. S. Bartholdy - بتزيين فيلته برسوم جصية عن قصة يوسف وإخوته· وتفجع أهل الناصرة Nazarenes (المقصود قام هذان الفنانان) لإحلال رسوم بالزيت على (الكانافاه) محل الرسوم الجصية· والآن لقد درسا الكيمياء ليتمكنا من إعداد سطوح تجعل الألوان ثابتة، ونجحا إلى الحد الذي تم نقل رسومهما الجصية من روما لتوضع في المتحف الوطني ببرلين، وهي من بين المقتنيات التي تفخر بها العاصمة البروسية، لكن جوته العجوز عندما سمع بهذا الاتجاه الصوفي (ذي الانجذاب العاطفي الديني) أدانهما باعتبارهما يقلدان أسلوب القرن الرابع عشر في إيطاليا تماما كما تقلد الكلاسية الجديدة الفن الوثني· وتجاهل أهل الناصرة (المقصود أصحاب هذه المدرسة) هذا النقد، لكنهما غادرا المسرح بهدوء لأن العلم والبحث والفلسفة راحت - ببطء - تنحت في العقيدة القديمة (المقصود تشكك فيها وتعدلها)·