قصة الحضارة -> عصر نابليون -> ملوك أوروبا في مواجهة التحدي -> الأدب الألماني -> ثورة واستجابة
الفصل الواحد والثلاثون
الأدب الألماني
9871 - 5181
1- ثورة واستجابة
تأثر الأدب الألماني في عصر نابليون بتمرد الشباب الطبيعي وبالرغبة في كسر الروابط الأسرية والخروج على المألوف، وأصداء الشعر الرومانسي الإنجليزي وروايات ريشارد سون Richardsn، والتراث الكلاسي للسنج Lessing وبعد ذلك جوته والثورات الناحجة في المستعمرات الأمريكية والهرطقات التي صاحبت حركة التنوير الفرنسية، والأهم من كل هذا التأثير اليومي للثورة الفرنسية، وأخير بدراما صعود نابليون وسقوطه· لقد كان كثيرون من المتعلمين الألمان قد قرأوا أعمال فولتير وديدرو Diderot وروسو، بل إن بعضهم قرأها في لغتها الفرنسية الأصلية، وكان عدد أقل من الألمان قد أحس بلسعات هلفيتيوس Helvetius ودولباش d, Holbach ولا متري La Mettrie· وكان للمفكرين والمثقفين الفرنسيين دور في صياغة (تكوين أو تشكيل) حكام على شاكلة فريدريك الكبير، وجوزيف الثاني النمساوي، والدوق شارلز وليم فرديناند البرونسفيكي، والدوق شارلز أو جستس (في ساكسي فيمار Saxe - Weimar) ولو لم يكن للكتاب والمفكرين الفرنسيين سوى هذا (أي سوى تأثيرهم في هؤلاء الحكام وصياغة فكرهم) لكفى بهذا دليلا على تأثيرهم في الحضارة الألمانية· لقد بدت الثورة الفرنسية في البداية تطورا منطقيا لفلسفة التنوير Enlightenment Philosohy: النهاية - التي أسعدت الناس - للإقطاع والامتيازات الطبقية والأسرية والإعلان الذي طال انتظاره لحقوق الانسان، والدعوة النشيطة لحرية الكلام والصحافة والتصرف والعبادة والفكر· هذه الأفكار (وكان كثير منها قد تطور داخل ألمانيا ذاتها) عبرت الراين على جناحي أخبار الثورة الفرنسية أو مصاحبة لجيوشها المندفعة لقلب أوربا واصلة حتى إلى كونجسبرج Konigsberg البعيدة·
وعلى هذا فإن مشكلي العقل الألماني وصانعي أدبه رحبوا بالثورة الفرنسية في أعوامها الثلاثة الأولى· لقد رحب بها البناؤون الأحرار Freemasons والروزيكروشيون أصحاب الاتجاه الباطني Rosicrucians ودعاة التنوير المعتزون بفكرهم Illuminati، واعتبروها فجر عصر ذهبي طال انتظارهم له وشوقهم إليه· لقد أيد الفلاحون الثوار ضد السادة الإقطاعيين (الفرسان الإمبراطوريين) والحكام الأسقفيين في ترير Trier وسبير Speyer(1)· وبورجوازيو هامبورج هللوا للثورة باعتبارها إعلاء لشأن رجال الأعمال ضد الأرستقراطيين المتغطرسين، وراح الشاعر العجوز كلوبستوك Klopstockالذي يقيم في هامبورج، يقرأ قصائده في مهرجان الحرية ويصيح بفرح وهو يترنم بأبيات قصائده، وراح العلماء والصحفيون والشعراء والفلاسفة يترنمون مادحين in a Capell-a hymnes (والكابلا قاموسياً هي العَيّوق)، وراح جوهان (يوهان) فوص Voss مترحم أعمال هوميروس، ويوهان فون ميلر Muller المؤرخ، فريدريش فون جنتس Genz الدبلوماسي (خاج الخدمة) والفلاسفة من كانط إلى هيجل - راحوا جميعا يتغنون باسم الثورة ويدعون لها بالنجاح· كتب جورج فوستر Foster (الذي كان يصحب كوك Cook في رحلة حول العالم): إنه لشيء عظيم أن يرى المرء الفلسفة قد نضجت في العقول وأصبحت واقعاً في الدولة(2) لقد ظلت ألمانيا منتشية لفترة بأخبار الثورة الفرنسية ففي كل مكان فيها (حتى في الأوساط الملكية كما في حالة الأمير هنري أخو فريدريك الكبير الباقي على قيد الحياة) كان الناس يرفعون أيديهم بالدعاء لفرنسا الثورة· في ظل هذه النشوة أضاف الأدب الألماني الثورة إلى انتصارات فريدريك، واتفع (أي الأدب) في غضون ثلاثين عام (0771 - 0081) ليكون أدبا ناشطاً فعالا متنوعا متألقا يضارع الأدب الناضج في كل من إنجلترا وفرنسا - لقد أصبح هذا هو حال الأدب في ألمانيا بعد أن ظل في حالة سبات طويل منذ فترة النزاع الديني، وهذا الأدب نفسه (المتأثر بالثورة الفرنسية) هو الذي أدهش الناس بتقدمه، فراح يلعب دوره في النهوض بألمانيا لإزاحة النير الفرنسي لتدخل (أي ألمانيا) في أزهى قرونها من النواحي السياسية والصناعية والعلمية والفلسفية·
وبطبيعة الحال لم يدم هذا المزاج السعيد، فقد أتت الأخبار بالهجوم على التوليري Tuileries، ومذابح سبتمبر وعهد الإرهاب وسجن الملك (الفرنسي) والملكة ثم إعدامهما ثم أتى الاحتلال الفرنسي لدول ألمانيا، والضرائب الباهظة والتجنيد الإجباري لشباب ألمانيا لدفع ثمن الحماية الإمبريالية والتكالف الحربية لنشر الحرية· وعاما بعد عام راح حماس الألمان للثورج الفرنسية يخبو ويهمد وراح الذين دافعوا عن الثورج الفرنسية بالأمس ينسلون واحدا إثر واحد من مواقفهم السابقة (عدا كانط) وخاب أملهم فيها وتشككوا في أهداف فرنسا، بل وتحول بعضهم إلى معادين لها غاضبين عليها·