قصة الحضارة -> عصر نابليون -> ملوك أوروبا في مواجهة التحدي -> الأدب الألماني -> الساحة الأدبية

3- الساحة الأدبية


لقد كانت ألمانيا مشغولة انشغالاً لم تعهده أبداً من قبل كانت مشغولة بالكتابة وبالرسم ونشر الصحف والدوريات والكتب· ففي سنة 6971 توصل ألويز سينفلدر Aloys Senefelder في ميونخ لما عرف فيما بعد بالطباعة الحجرية (الطباعة على الحجر) ذلك أنه حك (فرك) حلي أمه المثبتة في ملابسها المغسولة بحجر، فترك هذا الحك أثراً فتراءى له أن الكلمات والصور والألوان المختلفة يمكن بالحفر الغائر أو الحفر البارز على حجر ناعم أو لوح معدني، طباعتها والحصول على ما لايحصى من النسخ منها (على أن يتم النقش بطريقة عكسية لتكون الكلمات المطبوعة في وضعها الصحيح - أي كتابتها معكوسة لتبدو سوية كما في حالة المرآة) ومن هنا ظهر طوفان من الصور والرسوم المطبوعة بدءا من جويا Goya وهيروشيج Hiroshige إلى كورييه Currier وإيفز Ives وبيكاسو Picasso·
وكانت الصحف كثيرة وصغيرة الحجم وموالية وخاضعة للرقابة· فصحيفة أليماني تسايتونج Allgemeine Zeitung (الوقائع الألمانية) أسست في توبنجن Tubingen في سنة 8971 ثم انتقلت إلى شتوتجارت ثم إلى أولم Ulm ثم إلى أوجسبورج Augusburg ثم إلى ميونخ لتتحاشى البوليس المحلي· وصحيفة كولنيش تسايتونج Kolnische Zeitung تم تأسيسها في سنة 4081 وكانت مقالاتها وأخبارها أكثر هدوءا، وكانت وطنية كاثوليكية ثم أصبحت نابليونية· وكان في كل من فينا وبرلين وليبزج (ليبتسج) وفرانكفورت ونورمبرج صحف ظهرت في وقت سابق على قيام الثورة الفرنسية وظلت تؤدي عملها حتى الفترة التي نتحدث عنها· أما الدوريات والمجلات فكانت كثيرة، من أجملها دورية الموسيقا الألمانية Allgemeine Musikalische (أليماني موزيكاليشي) التي نشرتها في ليدن شركة برايتكوبف وهارتل Breitkopf und Hartel، وظلت تصدر من 5971 إلى 9481 أي من ثورة إلى أخرى· أما أكثرها تألقا فهي دورية أثيناوم Athenaum التي أسسها الأخوان شليجل في سنة 8971· وكان الناشرون كثيرين· كما كان المعرض الدولي للكتاب في ليبزج (ليبسج) حدثا أدبيا سنويا·
وكان لطائفة خاصة من الكتاب - تم تصنيفهم تصنيفا مرنا باعتبارهم (الخبراء في الشؤون العامة) - تأثير واسع لانحيازهم الشديد لقضاياهم وإن كانوا رغم انحيازهم يمتلكون ناصية المعلومات لمناقشة قضايا العصر الأساسية· لقد هلل فريدريش فون جينتس Von Gentz (4671 - 2381) لسقوط الباستبل، لكنه قلل من حماسه عندما التقى بفيلهيلم فون همبولدت Wilhelm Von Humboldt ذي العقلية المتشككة، وقد قرأ كتاب بروك Bruke عن الثورة الفرنسية (Reflections on the French Revolution) وترجمه· وبعد أن ترقى في الخدمة المدنية البروسية إلى درجة مستشار في وزارة الصناعة قاد معركة أدبية ضد أفكار مثل حقوق الإنسان والحرية والمساواة وسيادة الشعب وحرية الصحافة· ولم يرض عن الثورة الفرنسية حتى بعد أن خفف نابليون من غلوائها· وهاجم نابليون كعسكري أدت غزواته إلى الإخلال بتورازن القوى الذي كان يقوم عليه سلام أوربا ونظامها وسلامتها - وكان هذا هو رأي معظم الدبلوماسيين· وأصبح أفصح الأصوات وأكثرها بلاغة حاثّاً فريدريك وليم الثالث على شن حرب لاهوادة فيها (النص صليبية Crusado) ضد نابليون، فلما تردد الملك البروسي، ترك جينتس Gentz خدمته وراح يقدم خدماته للنمسا (2081)· وعندما اجتاح نابليون النمساويين في معركة أوسترليتز Austerlitz لجأ جنتس Gentz إلى بوهيميا لكنه عاد إلى فينا في سنة 9081 وراح يدعو لشن حرب جديدة ضد نابليون· وكان سكرتيرا ومساعداً لميترنيخ في مؤتمر فينا وأيده في سياسة ما بعد الحرب التي تبناها ميترنيخ بإبعاد كل تأثير ليبرالي ومنعه من التطور· وكان وقت ثورة 0381 عجوزا مريضا ومات وهو مقتنع أنه خدم مصالح البشرية بشكل جيد·
أما جوزيف فون جورز Gorres فكان ذا روح أكثر حساسية، وكان نصف إيطالي، ومفعماً بالعواطف ولايكاد يصلح للصراع الحاد وخوض المعارك الأدبية الشرسة· ولد كاثوليكيا، فترك مهمة دعم الثورة للكنيسة (!) وعاون الفرنسيين في فتح مناطق غرب الراين وهلل تحويل نابليون الإمبراطورية الرومانية المقدسة إلى رابطة الراين (الراينبوند Rheinbund) وهلل لفتح الفرنسيين لروما تحت شعار روما حرة، لكن تكبر عسكر الجيش الفرنسي وابتزاز الإداريين الفرنسيين أثار سخط الشاب الثوري· وفي سنة 8971 أسس صحيفة ضعيفة هي (صحيفة الورقة الحمراء Das rothes Blatt) كصوت جمهوري يحب الثورة الفرنسية لكنه لا يثق في الفرنسيين· ورأى في استيلاء نابليون على السلطة في فرنسا نهاية للثورة الفرنسية، كما رأى في نابليون نفسه شخصا تواقا للسلطة بشكل خطر، وعندما هبت ألمانيا لتحارب من أجل التحرير انضم جورز Gorres للمعركة بإصدار صحيفة راينيشي ميركور Rheinische Merkur، لكن عندما فرض المنتصرون - بعد إزاحة نابليون - ردة سياسية (حركة رجعية سياسية) في كل المجالات التي استطاعوا فرض إراداتهم فيها، هاجمهم جورز Gorres بحده شديدة وضراوة حتى إنهم اضطروه للجوء إلى سويسرا حيث عاش في فقر مدقع· ولم يعد محط النظر فعاد نادما حزينا لحض الكنيسة الكاثوليكية (4281) وانتشله لودفيج الأول البافاري من الفقر والعوز بتعيينه أستاذاً للتاريخ في ميونيخ· هناك كتب كتابه ذا المجلدات الأربعة (أسرار المسيحية Chrisliche Mystik) (6381 - 2481) وراح يسلي أيامه بالخيالات، ويسود لياليه بالرؤى الشيطانية· وبعد موته بأربعة وثلاثين عاما تم تأسيس جمعية أحباء جورز Gorres Gesellschaft (6781) لمواصلة أبحاثه في تاريخ الكنيسة·
وساد الرومانسيون النثر، لكن كاتباً واحدا ظل متفردا وتملص منهم، إنه جين (جان) بول ريشتر (ريختر) الذي بدأ حياته في بيروث Bayreuth في سنة 3671· ويرجع اسمه المسيحي إلى جده جوهان (يوهان) بول كوهن (كون) Kuhn وحتى سنة 3971 كان يطلق عليه ببساطة هانز Hans· وكان أبوه معلما في مدرسة وعازف أرغن وأصبح قسا في كنيسة في جوديتس Joditz على نهر سال Saale، وهناك قضى هانز أعوامه الثلاثة عشر الأولى في سعادة وشكل هذا المحيط الريفي البسيط مزاجه خلال المتاعب الاقتصادية والعواصف اللاهوتية·
وعندما انتقلت الأسرة إلى شفارتسنباخ Schwarzenbach الواقعة على هذا النهر الهادئ نفسه (سال Saale) نعم بمكتبة رجل دين من الجيران، واعترف رجل الدين هذا بإمكانيات هذا الصبي ولكنه لم يعترف بما يراود الفتى من شكوك· ومات والد ريشتر (ريختر) في هذا المكان (977) تاركا ذرية ضعافا قليلة الموارد)، وعندما بلغ هانز Hans العشرين من عمره دخل مدرسة اللاهوت في ليبزج (ليبسج) لكن قراءاته أضعفت عقيدته، فسرعان ما انسحب من الدراسة وراهن على أن يعيش من قلمه، واستطاع أن ينشر في سنة 3871 وهو في العشرين من عمره، ولكنه لم يستطيع ذلك مرة أخرى إلا في سنة 9871 وفي كلتا الحالتين تعرضت كتاباته لهجاء ساخر مما جعل المثقفين الساخرين يشفقون عليه· وفي سنة 3971 أصدر (الكوخ الخفي Die unsichtbre Loge) باسم مستعار هو جين (جان) بول، وقد اختار الاسم (جان) حباً منه في جان روسو، وحظي الكتاب بعدد قليل من القراء زادوا بعد ذلك بالنسبة لروايته الوجدانية التالية (هيسبيروس Hesperus) (5971)، فدعت شارلوت فون كالب kalb صديقة شيلر المؤلفَ الصاعد إلى فيمار وسعدت به حتى إنها أصبحت خليلته(31)· وبدأ في فيمار تأليف روايته ذات الأربعة مجلدات تيتان Titan (0081 - 3081)، وكان البطل الحقيقي لهذه الرواية هو الثورة الفرنسية·
ودافع المؤلف بعاطفة جياشة عن الثورة الفرنسية في سن تكوينها لكنه أدان مارا Marat لإفسادها بحكم الغوغاء، وامتدح شارلوت كورداي Corday باعتبارها جان دارك الثانية· ورحب باستيلاء نابليون على السلطة كأمر ضروري لاستعادة النظام، وبعد ذلك بثمانية أعوام كان ريشتر (ريختر) راغباً تماماً في أن يرى أوروبا كلها وقد توحّدت على يد هذا الرجل (نابليون) الذي يستطيع أن يمسك بها بعقله ويده وقوانينه التي تسري من فرنسا إلى برلين وموسكو· لكن جين (جان) بول كان في قرارة نفسه جمهورياً يرى في كل انتصار عسكري مقدمة لحرب أخرى· وأشفق على الشباب الذين جندهم نابليون، وعلى الأسر الحزينة لفقد أبنائها·
وساق الأدلّة على أن الشعب وحده هو الذي يجب أن يتخذ قرار الحرب، لأنه هو وحده الذي يعاني ويلاتها ونتائجها وأطلق من جرابه أقسى رماحه على الحكام الذين يبيعون جيوشهم للحكام (أو الملوك) الأجانب· وطالب بإلغاء الرقابة حتى تستطيع بعض القوى خارج الحكومة أن تكون حرّة في كشف أخطاء الحكومة وعَرْض إمكانات التقدم(41)·
وتزوج جين (جان) بول Jean Paul وهو في الثامنة والثلاثين وفي سنة 4081 استقر في بيروث Bayreuth، وبعد أن خاض تجارب حية كتب كتاباً عن التعليم (Lavana) وهو واحد من كلاسيات البيداجوجا الليبرالية (علم أصول التدريس الليبرالي، وتوسع علم التربية الليبرالي) وأصدر عدداً كبيراً من الروايات والمقالات، ترجم بعضها كارليل Carlyle لإعجابه بها· وكان مزجه بين النقد الواقعي والمشاعر الرومانسية قد جعل قراءة أكثر من قراء جوته (جيته) أو شيلر· ومات في سنة 5281 تاركاً مقالاً لم يكتمل عن خلود الروح· لقد شهد عصره بداية اكتشاف المادة، وظلت شهرته كأحد المؤلفين الألمان الروّاد تطبق آفاق أوروبا حتى منتصف القرن التاسع عشر، وبعد أن خمدت شهرته في أوروبا انتقلت محلِّقة في أمريكا حيث كان لونجفلو Longfellow واحداً من المتحمسين له· ولا نكاد نجد أحداً يقرأه الآن في ألمانيا لكن المؤكد أنَّ كلَّ ألماني يتذكر قوله المنطوي على الحكمة، والذي كان يقصد به توجيه طعنة إلى الفلسفة الألمانية، وتلخيص عصر نابليون على نحو يفوق كتابنا هذا: إن الله قد أعطى الإنجليز إمبراطورية البحر، وأعطى الفرنسيين إمبراطورية البر، وأعطى الألمان إمبراطورية الهواء()(51)·
وهناك كاتبان آخران من كتّات القصة كان لها جمهور عريض كان إرنست تيودور فيلهلم هوفمان Hoffmann (6771-2281) واحداً من أكثر الألمان تعدداً للمواهب والاهتمامات بشكل غير عادي، وقد غيَّر الاسم فيلهلم Wilhelm إلى أماديوس Amadeus في سنة 3181: لقد كان رساما ومؤلفاً للموسيقا وعازفاً لها ومخرجاً للأوبرا وممارساً قانونياً وكتب قصصاً بوليسية ورواية ألهمت جاك أوفنباج Offenbach في مؤلفه (حكايات هوفمان) (1881)· أما أدلبرت فون كاميسو Adelbert Von Chamisso (1871 - 8381) فكان متفردا في حياته وأدبه· لقد كان بحكم الميلاد نبيلاً فرنسياً، ترك فرنسا إثر أحداث الثورة الفرنسية وتلقى معظم تعليمه في مدارس ألمانيا وتم تجنيده في كتيبة عسكرية بروسيّة وحارب فرنسا في معركة يينا Jena وفي سنة 3181 كتب قصة رمزية هي Peter Schlemihls Wundersame Geschichle يبث فيها فيها تَمزُّق ولائه وحنينه لبلاد آبائه وأجداده· لقد كانت حكاية غريبة عن رجل باع ظلّه للشيطان· وكان عالم نبات راسخاً ذا شهرة، فصحب أوتو فون كوتسبو Otto Von Kotzebue في رحلته العلمية حول العالم (5181-8181) وسجل اكتشافاته في مؤلّف حقّق شهرة في وقت من الأوقات يحمل عنوان (رحلة حول العالم Reise um die Welt) وقسّم ما بقي من عمره بين عمله كمسؤول عن حديقة برلين للنباتات، وكتابة الشعر الرومانسي، وقد امتدح هينريش (هينرخ) هاين Heine قصائده ووضع روبرت شومان Schumann موسيقا لسلسلة أشعاره عن الحب والنساء·
وكان عدد الشعراء كبيراً ولا يزال كثير منهم في ذاكرة الشعب الألماني، لكن من الصعب نقل أشعارهم إلى لغة أخرى أو بلاد أخرى أو زمن آخر غير الزمن الذي قيلت فيه هذه الأشعار، لارتباط كلماتها بالموسيقا وبمشاعر خاصة· وكان فريدريش (فريدريخ) هولندرلين Holderlin (0771 - 3481) هو الأكثر مدعاة للشفقة منهم، فقد ثبت أن حاسيته الشعرية كانت حادة جداً بالنسبة إلى صحته النفسية والعقلية، ذهب إلى توبنجن Tubingen للدراسة ليصبح واحداً من رجال الدين فكون علاقة صداقة حافزة مع جورج هيجل Hegel الذي كان وقتها قد وضع المسيحية موضع الشك، وراح الفتى يحلم بسعادة البشرية عندما وصلته أخبار الثورة الفرنسية· لقد قرأ روسّو وألف ترانيم الحرية وفي سنة 2971 وكان في آخر قرن يحتضر (القرن 81) راح يظن أنه رأى فجراً رائعاً لعصر من العدالة والنبالة· وعندما اندلعت الحرب كتب لأخته صَلِّ من أجل الفرنسيين، نَصِيري حقوق الإنسان وعندما غرقت الثورة الفرنسية في الدم تعلّق بحلمه يائساً:
حُبِّي هو الجنس البشري - ولست أقصر بطبيعة الحال هذا الجنس الفاسد المرتشي الذليل التافه الذي غالباً ما نلتقي بأفراده· إنني أحب العظمة والكفاءة حتى لو وُجدت بين شعوب فاسدة· إنني أحب الجنس الذي لم أره بعد، أحب جنس البشر الآتي من القرون القادمة·· إننا نعيش في زمان يتجه فيه كل شيء إلى التحسّن· إنها بذور التنوير حيث تلك الرغبة الصامتة والنضال لتعليم الجنس البشري··
إن هذا سيكون له ثمار عظيمة· هذا هو الهدف المقدس لرغباتي ونشاطي (عملي) - هو أن أزرع البذور التي ستثمر شجرتها ثماراً ناضجة من جيل آخر غير جيلي(61)·
حتى الماضي كان يسمح له بالحلم، فقد وقع في حب أبطال اليونان الكلاسية (القديمة) مثله في ذلك مثل معاصره كيتس Keats ، فبدأ ملحمة نثرية عن الثوار الإغريق هي ملحمة (هيبريون Hyperion)· وأخذ طريقه إلى يينا Jena فدرس على يد فيشه Fichte وتعلم كيف يحترم كانط وقابل أرباب فيمار عندما كانوا هم أيضاً معجبين بالثقافة الهيلينية· ودبّر له شيلر وظيفة معلّم ومرشد لأحد أبناء شارلوت فون كالب Kalb، وفي سنة 6971 وجد في بيت المالي banker جوتهارد J.F. Gotthard في فرانكفورت - آم - مين Frankfurt - am - Main وظيفة ذات عائد مالي أعلى، وكانت وظيفة مرتبطة أيضاً بتعلم الأبناء ووقع في حب زوجة هذا المالي Banker وقد قدّرت الزوجة أشعاره كثيراً، وأدى هذا إلى طرده من الوظيفة وإجباره على مغادرة المدينة· وأدَّى به الشوق والنفي إلى شيء من الهوس، ومع هذا ففي هذا الوقت (9971) كتب قصيدة (Der Tod des Empedokies) التي تعد من بين روائع الشعر الألماني· وظل لعدة سنوات يجول المدن بحثاً عن مورد رزق وإلهامات لأشعاره· وطلب من شيلر أن يوصي به ليكون محاضراً في الأدب اليوناني لكن شيلر وجده لا يصلح لكرس الأستاذية فلم يوص به وبينما هو يعمل معلما خصوصيا في بوردو Borseaux تلقى (هولدرلين) خبر وفاة مدام جوتهارد Gotthard فترك وظيفته وعاد سيرا على الأقدام عبر فرنسا إلى ألمانيا حيث اعتنى به أصدقاؤه (2081) عندما وجدوه وقد اختل عقله بدرجة كبيرة، وعاش حتى سنة 3481 وظلت قصائده مهملة منسية لفترة طويلة، حتى هو نفسه كان قد نسيها لكن رينر ماريا ريلكه Rainer Maria Rilke وستيفان جورج امتدحاه، وتضعه المجامع الأدبية الآن في مرتبة بعد جوته وشيلر مباشرة· وهناك شعراء آخرون كثيرون، منهم كارل تيودور كورنر Korner (1971 - 3181) وهو ابن كريستيان جوتفريد كورنر الذي كان قد عاون شيلر كثيرا(71)، وقد خاض بسيفه وبقلمه (أي كارل تيودور كورنر) حرب التحرير ضد نابليون وأنهض همم الألمان بدعوتهم للسلاح ومات في المعركة (62 أغسطس 3181)· أما إرنست موريتس (موريس) أرندت Arndt (9671 - 0681) فشهد خلال عمره البالغ واحداً وتسعين عاما ثلاث ثورات· لقد عمل على إلغاء النظام الإقطاعي في بوميرانيا بوصفه - بشكل واقعي في مبحثه (مقالات نحو التاريخ Versuche einer Geschichte) (3081) وفي مبحثه Die Geist der Zeit (6081) وأطلق صرخة مدوية ضد نابليون حتى إنه اضطر إلى اللجوء إلى السويد بعد انتصار نابليون في يينا Jena· وفي سنة 2181 دعاخ شتاين Stein إلى سان بطرسبورج ليساعد في تحريض الشعب الروسي على طرد الغزاة الفرنسيين· وبعد سنة 5181 كافح في بروسيا لمقاومة الإجراءات المحافظة فسجن· وفي سنة 8481 تم انتخابه عضوا في الجمعية الوطنية في فرانكفورت وعندما اضطربت هذه الثورة أيضا (ثورة 8481) وجه قريحته الشعرية بشكل نهائي إلى التقوى (المقصود الدين)· وكتب جوزيف فون أيشندورف Eichendorff (8871 - 7581) النبيل الكاثوليكي قصائد بسيطة لازالت تحرك مشاعرنا، ومنها قصيدة (عند موت طفلي Auf meines Kindes Tod)، فهنا يمكن حتــى للغريــب المتشــكك أن يشعــر بالموســيقا الشــعرية ويشــارك في المشاعــر ويحســد الأمل:
الساعات تدق من بعيد؛

سنصبح حالاً في جوف الليل؛

ضوء ذبالة المصباح صار خافتا؛

لقد تم إعداد مخدعك الصغير؛

الرياح وحدها هي التي لاتزال تتحرك

تنتحب حول البيت

الذي نجلس فيه ولا أنيس

وغالبا مانصغي لما يجري خارجه

آه، كما لو أنك تحاول برفق

أن تطرق الباب

آه، كما لو أنك ضللت طريقك مع أنك تعرفه

فعدت راجعا حزيناً

إننا بؤساء· إننا مغفلون بؤساء

نعم فنحن نجول في الظلمة المخيفة

حتى اليأس

لقد كنت تجد بيتك (لا تضل عنه) في الأيام الخوالي·



صفحة رقم : 14729