قصة الحضارة -> عصر نابليون -> ملوك أوروبا في مواجهة التحدي -> روسيا -> اليهود في ظل حكم إسكندر

5- اليهود في ظل حكم إسكندر


تحسَّنت أحوال اليهود بشكل ملحوظ في ظلِّ (حظائر الاستيطان Pale of settlement ) أي المناطق التي سُمح لليهود بالإقامة فيها، وذلك في عهد كاترين الثانية· وفي سنة 0081 كانت هذه المناطق Pale (الحظائر) تشمل كل المناطق البولندية التي كانت تابعة لروسيا ومعظم مناطق جنوب روسيا بما في ذلك كييف Kiev وشيرنيجوف Chernigov، وإكاترينوسلاف Ekaterinoslav والقرم· وخارج هذه المناطق Pale لم يكن أي يهودي يستطع أن يُقيم إقامة دائمة· أمّا خلال هذه المناطق فقد كان اليهودُ البالغُ عددهم 000،009 في سنة 4081(32) يتمتعون بكل حقوق المواطنة بما في ذلك التعيين في الوظائف الحكومية مع استثناء واحد: اليهودي الراغب في الانضمام إلى طبقة التجار ورجال الأعمال في المدن كان عليه أن يدفع ضريبة ضِعْف الضريبة التي يدفعها غير اليهودي فقد كان غير اليهودي يرى أنّ منافسة اليهودي مسألة مستحيلة وأنه إذا تُرِك الأمر تحقق دماره على يد اليهودي(42)· وفي هنا وجدنا تجار موسكو (0971) يُقدمون شكوى ضد التجار اليهود الذين يبيعون البضائع الأجنبية بأسعار أقل من أسعارها الحقيقية ومن ثَمّ يُلحقون أضراراً بالغة بالتجارة المحلية(52) وفي هذه الأثناء أدت منافسة اليهود إلى امتعاض أصحاب الحانات والخانات في الريف فبذلت الحكومةُ قصارى جهدها للإبقاء على اليهود في المدن بعيداً عن القرى· وفي سنة 5971 أمرت كاترين ألاّ يكون لليهود حقوق مدنية إلاّ في المدن وألا يُقيموا في الريف·
وفي نوفمبر سنة 2081 عيَّن إسكندر (لجنة لتحسين Amelioration أوضاع اليهود) ودراسة مشاكلهم وتقديم توصيات، فدعت اللجنة الكاهالات Kahals (المجالس الإدارية التي تحكم المجتمعات اليهودية وتفرض عليهم ضرائب تصرف لصالح هذه المجتمعات) لإرسال مندوبين عنها إلى سان بطرسبرج ليناقشوا مع الحكومة المطالب اليهودية، فطلبوا بعد مناقشات مستفيضة مهلة ستة أشهر ليتمكنوا فيها من الحصول على مزيد من الصلاحيات والتعليمات من كاهالاتهم their Kahals، فأرسلت اللجنة توصياتها مباشرة إلى الكاهلات بدلاً من التباحث مع مندوبيها، فرفضت الكاهلات اقتراح اللجنة منع اليهود من امتلاك الأراضي، ومنعهم من بيع الخمور، وطلبوا تأجيل هذه الإجراءات مدة عشرين عاماً لإتاحة الوقت اللازم للتوائم مع هذه الإجراءات الاقتصادية الصعبة، ورفضت اللجنة، وفي 9 ديسمبر سنة 4081 أصدرت الحكومة الروسية بعد موافقة القيصر إسكندر دستور اليهود أو الدستور اليهودي Jewish Constitution·
وكان هذا الدستور (المشروطية) مرسوماً بالحقوق، كما كان يقصر الوجود اليهودي على المدن· وكانت الحقوق كبيرة إذ أتاح للأطفال اليهود الالتحاق بكل المدارس والجامعات في الإمبراطورية الروسية وأجازَ لهم تأسيس مدارس خاصة بهم على أن يكون التدريس فيها باللغة الروسية أو البولندية أو الألمانية وأن تستخدم إحدى هذه اللغات في المحَرّرات الرسمية· ولكلِّ جماعة يهودية أن تختار الرَّابيين (الحاخامات) الخاصين بها وكذلك كاهلاتها Kahal على ألا يصدر الرابي قراراً بالحرمان وأن يكون الكاهال Kahal مسؤولاً عن جمع كل الضرائب التي تفرضها الدولة· ودُعي اليهود للعمل في مجال الزراعة بشراء الأراضي الشاغرة في أجزاء معينة من المناطق المتاح لهم الإقامة فيها Pale أو الاستقرار في أراضي التاج (أراضي الدولة) على أن يُعفوا من الضرائب في غضون السنوات القليلة الأولى·
وعلى أية حال فبحلول الأول من يناير سنة 8081 يصبح ممنوعاً على أيَّ يهودي في قرية أو نجع أن يُؤجِّر أرضاً، أو يفتح حانة أو فندقاً أو صالوناً·· أو يبيع نبيذاً في القرى أو حتى أن يعيش فيها بأيِّ حجة مهما كانت (62)·
وكان هذا يعني إبعاد ستين ألف أسرة يهودية عن مساكنها في القرى، ووصلت مئات الالتماسات لسان بطرسبرج يطلب مُقدِّموها تأجيل هذا الترحيل الجماعي وانضم كثير من المسيحيين إليهم يؤيدونهم في مطلبهم هذا وأشار الكونت كوشبي Kochubey إسكندر إلى أنَّ نابليون كان يخطط ليعقد في باريس في فبراير 7081 اجتماعاً (سنهدريم) للرَّابيين (للحاخامات) من كل أنحاء غرب أوروبا لصياغة برنامج إجرائي لإعتاق اليهود ومنحهم حق الاقتراع· فأمر إسكندر بإيقاف برنامجه محل الجدل· وربما أحْيت لقاءاته مع نابليون في تيلسيت Tilsit طموحه في إقناع الغرب Westبأنه حاكم متنوِّر· وفي سنة 9081 أخبر حكومته أن خطة إخلاء اليهود الآنف ذكرها خطة غير عملية لأن اليهود لن يكون لديهم الوسائل التي تمكنهم من الاستقرار والحصول على مساكن في الأماكن المحيطة بالقرى التي سيُطردون منها، والحكومة بدورها غير قادرة على تدبير مساكن لهم جميعاً(72) وعندما أصبح الغزو الفرنسي لروسيا وشيكاً أقنع نفسه بضرورة أن يحبه اليهود وأن يكونوا مُوالين للدولة·



صفحة رقم : 14745