قصة الحضارة -> عصر نابليون -> ملوك أوروبا في مواجهة التحدي -> روسيا -> القيصر الشاب
4- القيصر الشاب
1081 -4081
لم يطرد إسكندر أياً من بانين Panin أو باهلن Pahlen فجأة وهما اللذان خططا لمقتل أبيه، فقد خاف نفوذهما كما أنه لم يكن متأكدا من براءته هو نفسه (إذ كان قد وافق على تدبيرهما لخلع والده)، كما كان في حاجة إلى باهلن ورجال البوليس التابعين له لحفظ الأمن في موسكو، كما كان في حاجة إلى بانين Panin للتعامل مع إنجلترا التي كان أسطولها يهدد بتحطيم الأسطول الروسي بعد أن دمر بالفعل الأسطول الدنمركي، وعلى هذا فقد جرى استرضاء بريطانيا، وهكذا انهارت عصبة الحياد المسلح الثانية· فطرد باهلن في يونيو 1081 واستقال بانين في ديسمبر من العام نفسه·
لقد أمر إسكندر في العام الأول من حكمه بإطلاق سراح آلاف السجناء السياسيين، وسرعان ما طرد الذين كانوا مستشاري بول، ومن كانوا ضالعين في إجراءاته الإرهابية· وفي 03 مارس جمع اثني عشر مسئولا من مسئولي الدولة الكبار ممن هم أقل فساداً من سواهم وكون منهم مجلساً دائما لتقديم المشورة له في مجالي التشريع والإدارة(71)· واستدعى بعض المبعدين من أكثر النبلاء ليبرالية وعينهم في حكومته: الكونت فيكتور كوشبي Kuchubey وزيراً للداخلية، ونيكولاي نوفوسيلاتسوف Novosiltsov وزيراً للدولة، والكونت بافال ستروجانوف Stroganov وزيراً للتعليم، كما عين الأمير آدم جرزي شارتورسكي Adam Jerzy Czartoryski - الوطني البولندي المتآلف مع السلطة الروسية - وزيراً للشئون الخارجية· وكون من هؤلاء وغيرهم من رؤساء الإدارات مجلس الوزراء Committee of Ministers كجهاز استشاري آخر· وقد استدعى إسكندر من سويسرا لا هارب La Harpe كمستشار آخر له (نوفمبر 1081) لمساعدته في تحديد سياساته والتنسيق بين عناصرها· وكان هناك تحت هذه الأجهزة التنفيذية، مجلس (سينات) نبلاء ذو سلطات تشريعية وقضائية، لمراسيمه وقراراته Ukases قوة القانون إذا لم يعترض عليها القيصر· وظلت إدارة الولايات في أيدي معينين من قبل الحكومة المركزية·
وكل هذه التنظيمات تشبه التنظيمات الإمبراطورية في ظل نابليون باستثناء أن مجلس النواب كان في ظل نابليون يتم اختيار أعضائه بالانتخاب، كما أنَّه القَنانة ظلت موجودة في روسيا ولم يكن للأقنان (عبيد الأرض) أيُّ حقوق سياسية، وكان مستشارو إسكندر في أعوام حكمه الأولى من الليبراليين المتعلمين تعليماً جيداً، لكنهم كانوا خاضعين لطبيعة الأشياء أو لأحكام الضرورة على حد تعبير نابليون· فقد بدت الحقوق rights في هذه الظروف مجرد أوهام في مواجهة الضروريات، في أمة 09% من أهلها فلاحون أشداء أميون لا يتوقع منهم أحد أن يفكروا لأبعد من القرى التي يعيشون فيها سواء من ناحية الاقتصاد أو التنظيم السياسي أو الإنتاج والتوزيع أو الدفاع· لقد كان إسكندر مُذْعناً لنظام النبالة القوي حيث كان للنبلاء تشكيلاتهم التنظيمية الخاصة، ونظامهم المحلِّي لتسيير أمور الزراعة والقضاء والشرطة والصناعات الريفية· وكانت القنانة (عبودية الأرض) عميقة الجذور راسخة عبر الزمن حتى إن القيصر لم يكن يجسر على مهاجمتها خوفاً من قَلْقَلة النظام الاجتماعي وضياع عرشه· وكان إسكندر يتلقّى شكاوى من الفلاحين، وكان في حالات كثيرة يُنزل عقوبات قاسية بملاَّك الأراضي المذنبين(81) لكنه لم يكن يستطيع أن يقيم على مثل هذه الحالات برنامجاً لتحرير رقيق الأرض· لقد كان لابد من مرور ستين عاماً قبل أن يستطيع إسكندر الثاني تحرير رقيق الأرض في روسيا (قبل إعلان لينكولن Lincoln إلغاء الاسترقاق بعامين)· ولم يجد نابليون - الذي عاد من روسيا مهزوماً (2181) أن إسكندر قد أخطأ في هذا الاتجاه لقد قال نابليون لكولينكور Caulaincourt: إن إسكندر ليبرالي جداً، وهو ديموقراطي جداً بالنسبة إلى الروس·· فهذه الأمة تحتاج لقبضة حديدية·· وسيكون أكثر ملاءمة لو حكم أهل باريس·· إنه ودود مع النساء، مجامل مع الرجال···، وطريقته اللطيفة في التصرف تدعو إلى البهجة(91) ·
وفي ظل هذه الظروف المقيِّدة (بتشديد الياء وكسرها) أحدث إسكندر شيئاً من التقدم· لقد عمل على تحرير 351،74 فلاحاً، وأمر أن تكون القوانين واضحة دائمة متَّسقة، فكما ورد في مذكراته التفسيرية لقوانينه أن يقوم رخاء شعبنا على نسق قوانيننا الموحَّدة اعتقاداً منا أن هذه الإجراءات المختلفة قد تجلب للبلاد السعادة التي لا يؤكدها - للأبد - إلاّ تلك القوانين، ولقد عملتُ منذ اليوم الأول لحكمي على استقصاء أحوال هذا الجانب في الدولة(02)· وأمر أن يكون الاتهام والمحاكمة والعقاب على وفق إجراءات محدَّدة مقنّنة ومُلزمة· كما أمر أن تقضي المحاكم العادية - لا السرية - في الجرائم السياسية· والآن فقد هذَّبت التنظيمات من أحوال البوليس السرِّي وتمّ منع التعذيب (لقد منعه بول لكنه ظل سائداً في أثناء حكمه) وتمَّ السماحُ للروس الأحرار (المقصود غير الأقنان) بالسفر خارج روسيا والعودة إليها، وسُمح للأجانب بدخول روسيا على وفق إجراءات ميسّرة من ذي قبل· وتم دعوة 000،21 مَنْفِىّ للعودة إلى روسيا· وظلت الرقابة على الصحف قائمة لكنها أصبحت من اختصاص وزارة التعليم مع طلب مهذّب وهو أن تكون هيّنة ليّنة مع المؤلفين(12)· وتم إلغاء الحظر على استيراد الكتب الأجنبية وإن ظل هذا الحظر سارياً على المجلات، وفي سنة 4081 تم إقرار الحرية الأكاديمية تحت إشراف مجالس جامعية، على وفق نظام أساسي·
وكان إسكندر مدركاً أنَّ أيَّ إصلاح لا يمكن أن يزدهر ويُؤتي ثماره إلاّ إذا كان مفهوماً ومؤيَّداً من نسبة كبيرة من السكان، ففي سنة 2081 عَهِدَ إلى وزارة التعليم بمعاونة نوفوسيلتستوف Novolsiltsov وتشارتوريسكي Czartoryski ومخائيل مورافيوف Muraviov مهمة تنسيق نظام تعليمي عام جديد· وصدر قانون (نظام أساسي) في 62 يناير 3081 يُقسِّم روسيا إلى ستة أقاليم regions يكون في كل إقليم منها جامعة واحدة على الأقل، وأن تكون هناك مدرسة ثانوية على الأقل في كل جوبرنيا Guberniya (ولاية)، وأن تكون هناك مدرسة - على الأقل - في كل مقاطعة (كونتية) ومدرسة ابتدائية على الأقل في كل تقسيم أبرشي، وبالإضافة إلى الجامعات التي كانت موجودة بالفعل (جامعات موسكو وفيلنا Vilna ودوربات Dorpat) أنشئت جامعات سان بطرسبرج، وخاركوف Kharkov وقازان Kazan، وفي هذه الأثناء كان النبلاء لايزالون يُتيحون التعليم الخاص والمدارس الخاصة لأبنائهم، ومنع الرّابيون اليهود (الحاخامات) الآباءَ من إلحاق أبنائهم بمدارس الدولة باعتبارها أداةً مراوِغةً لتدمير الإيمان اليهودي(22)·