قصة الحضارة -> عصر نابليون -> خاتمة المطاف -> إلى واترلو -> لويس الثامن عشر
الفصل السابع والثلاثون
إلى واترلو
4181 - 5181
1- لويس الثامن عشر
هو لويس 81 ابن لويس الدوفين Dauphin (الكلمة تعني الابن البكر)، ابن لويس 51 فهو إذن رابع لويس، كما كان لويس السادس عشر هو ثالث لويس· وحتى سنة 1971 - عندما كان في الثلاثين من عمره - كان قانعاً فيما يظهر بأن يكون كونتاً لبروفنس Provence، وكــان وسـيماً لطيفـاً يتذوق الأدب ويدعـم الأدبـاء ويشـارك فـي المناقشات الرائعة في صالون خليلته(1)· وعندما حاول لويس السادس عشر الهربَ من فرنسا (1971) حاول هو بدوره ونجح وانضم إلى أخيه كونت درتوا dصArtois في بروكسل Brussels، وعندما مات لويس السابع عشر في العاشرة من عمره (5971) بعد أن ذَوَي بسبب السجن والأحزان، حمل كونت بروفنس Comte de Provence - باعتباره الوريث الشرعي لعرش فرنسا - اسم لويس الثامن عشر واعتبر نفسه ملك فرنسا طوال سنوات الثورة وطوال فترة حكم نابليون· ولأنَّ نفوذ الثورة ونابليون راحا ينتشران، فقد كان على لويس الثامن عشر أن يغيِّر مقر إقامته فراح ينتقل من مكان إلى مكان - من ألمانيا إلى روسيا إلى بولندا إلى روسيا إلى إنجلتـرا (1181)، وهنـاك أيدته الحكومـة، واحتفظ هو نفسه باحترام للدستور البريطاني·
وفي 41 أبريل 4181 أصدر السينات (مجلس الشيوخ الفرنسي) وعلى رأسه تاليران القرار التالي:
امتثالاً لاقتراح الحكومة المؤقتة وتقرير لجنة خاصة من سبعة أعضاء، يعهد مجلس الشيوخ (السينات) بحكومة فرنسا المؤقتة، لصاحب الجلالة كونت درتوا dصArtois بمسمّى ليفتينانت جنرال المملكة حتى يتم استدعاء لويس - ستانيسلاوس زافييه Louis - Stanislaus - Xavier ليشغل عرش فرنسا مع قبول الصيغة الدستورية(2)·
ودعا الدستور الذي صاغه مجلس الشيوخ (السينات) إلى عفو عام عن الثوريين الذين على قيد الحياة، كما دعا إلى إلغاء الرسوم الإقطاعية والأعشار الكنسية، وأكَّد صحة حجج الملكية التي يحوزها من اشتروا ممتلكات من ممتلكات الدولة (مما صودر من الكنيسة ومن المهاجرين الذين تركوا فرنسا عقب أحداث الثورة الفرنسية) والإبقاء على مجلس النوّاب ومجلس الشيوخ واحترام الحريات المدنية وسيادة الشعب·
وطلب لويس وقتاً للتفكير وقد أسعدته الدعوة لشغل العرش الفرنسي وأزعجته الشروط المفروضة· وفي 42 أبريل غادر إنجلترا قاصداً فرنسا· ومن سان أوِن Ouen (في 21 مايو) أعلن أنه سيحترم غالب ما ورد في الدستور المقترح لكنه يرفض سيادة الشعب لأنها تتعارض مع الحقوق الوراثية للملك كما منحها الله· واقترح أن يمنح فرنسا ومجلس الشيوخ ميثاقاً Charter بدلاً من الدستور· وسيصبح مجلس الشيوخ (السينات) مجلس نبلاء Chamber of Peers يختار الملك أعضاءه، وسيصبح اسم الجمعية التشريعية مجلس النواب Chamber of Deputies ويتم انتخاب أعضائه بواسطة الناخبين الذين يدفع الواحد منهم ثلاثمائة فرنك أو أكثر كل سنة كضرائب مباشرة، وسيكون على هذين المجلسين إدارة عوائد الحكومة ونفقاتها· وأغرى العرضُ بالسيطرة على أموال فرنسا، المجلسين بقبول الميثاق (عِوَضاً عن الدستور) وتعهد الملك بالتعاون، وهكذا عاد حكم البوربون (4 يونيو 4181)·
وفي معمعة هذه التغييرات قلَّصت القوى المتحالفة على وفق معاهدة باريس الأولى (03 مايو 4181) حدود فرنسا إلى ما كانت عليه في سنة 2971، وأعطتها شامبري Chambery، وأنيسي Annecy وملهوس Mulhouse، ومونتبيليار Montbeliard· وسلّمت فرنسا مستعمرات مهمّة لإنجلترا وإسبانيا واعترفت بالحكم النمساوي لشمال إيطاليا، ووافقت - مقدَّماً - على أية قرارات سيتخدها مؤتمر فينا فيما يتعلق بكل المناطق التي استولت عليها فرنسا منذ سنة 2971·
وبعد أن استقر لويس الثامن عشر في التوليري شعر أنّ من حقه أن يستريح ويسترخي ويسعد بعودة ملكه، وراح يتحدث عن عام 4181 باعتبارها السنة التاسعة عشرة لحكمي· لقد أصبح عمره الآن 95 سنة وسيما ودوداً كسولاً بطيئاً سميناً مصاباً بداء المفاصل، ولم يكن في كل حالاته ملكاً· لقد أسلم نفسه لحكومة دستورية، وكيّف نفسه - بكياسة - مع ناخبين وخطباء ومتنازعين وصحافة أصبحت تنعم بحرية أكثر مما كانت تنعم به في ظل حكومة الإدارة أو نابليون، وانتعشت الصالونات بالمناقشات الأدبية والسياسية· وبعد أن أصبحت مدام دي ستيل منتصرة (بمعنى أن أغراضها قد تحقّقت واصلت اجتماعاتها في باريس واستضافت الملوك·
وكانت النجاحات الاقتصادية التي حققها الحكم الجديد مدعاةً لسعادة الشعب بشكل عام· لقد كان لويس 81 ذا حِسٍّ سليم فترك قوانين المدوّنة القانونية النابليونية دون تغيير وترك - وبدون تغيير أيضاً - نظام نابليون القضائي والإداري، كما أنه (أي لويس) لم يغيّر البنية الاقتصادية· وكما كان نابليون محظوظاً بأن وجد لوزارة المالية - تلك الوزارة الحيوية - شخصاً على قدر كبير من الكفاءة والاستقامة هو فرانسو موليا Francois Mollien - كذلك وجد لويس الثامن عشر لشغل هذا المنصب نفسه البارون جوزيف - دومينيك لويس Baron Joseph - Dominique Louis الذي واجه دون توان متطلبات الخزانة وقاوم كل إغراءات الخداع المالي (المغالطات المالية)·
وقد أشاد البلاط الملكي بجهوده كرمز لتيسير الانتقال من نظام حكم إلى نظام حكم آخر (كمرحلة انتقال)، وفي العام الأول من الحكم الجديد، كان هناك قدر قليل من الانتقام من أولئك الذين عملوا مع نابليون· لقد راح المارشالات الامبراطوريون (الذين عملوا مع نابليون) يختلطون بحرية مع الملكيين من ذوي الأنساب في بلاط البوربون ونستثني من هؤلاء المارشال دافو Davout، أما أفراد النبالة الدُّنيا مثل مدام دي ريموزا Remusat والسيد ريموزا الذين كانوا قريبين من نابليون فراحوا يتعبدون عند الضريح الذي أُعيد ترميمه وصقله (المقصود: راحوا يتقربون للبوربون من جديد)، وسخر تاليران قائلاً: إن البوربون لم يتعلموا شيئاً ولم ينسوا شيئاً وقد يكون هذا القول صحيحا بالنسبة إلى الكونت درتوا dصArtois الذي كان متكبراً بغباء رغم طباعه الجيدة ومنظره الحسن، لكن هذا القول لا ينطبق على لويس 81، بل إن نابليون نفسه شهد بعد ذلك (في سانت هيلانا) بسرعة قبول معظم الفرنسيين للحكم القديم بعد إلحاق تجديدات به كما لو كانوا قد وقعوا في أسر العادات القديمة الراسخة منذ زمن بعيد، بحيث لم يكن ممكناً استئصالها تماماً·
ومع هذا كان هناك شيء من الاستياء وعدم الرضا· لقد جحدت الكنيسة الكونكوردات Concordat النابليوني وأصرّت على عودة سلطانها كما كان قبل الثورة، خاصة سلطانها على التعليم· وحصلت الكنيسة من الملك على مرسوم بمراعاة الالتزام الديني الصارم في أيام الآحاد وأيام الأعياد الدينية، ففي هذه الأيام يتعين إغلاق كل المحال من الصباح إلى المساء فيما عدا محال الكيماويين (المقصود الصيادلة) والعشابين، ولم يكن مسموحاً في هذه الأيام: (الآحاد والأعياد الدينية) بالقيام بأعمال مدفوعة الأجر أو نقل البضائع لأغراض تجارية(3)· وأصبح من الصعب عدم الاعتراف بالكاثوليكية· لكن الأكثر مدعاة للإزعاج هو مطالبة الكنيسة بكل الممتلكات الكنسية التي صادرتها الثورة، وهو طلب بدا معقولاً· لكن تنفيذه لا يمكن إلا أن يُواجه بثورة مئات الألوف من الفلاحين وأفراد الطبقة الوسطى الذين سبق أن اشتروا هذه الممتلكات من الدولة· إن خوف هؤلاء المشترين من نزع ملكياتهم كلها أو جزءاً منها جعلهم يفكرون في الترحيب بعودة نابليون مبرّاً من داء شن الحرب·
لازالت هناك أقلية نشيطة متعلِّقة بمبادئ الثورة راحت - على أية حال - تعمل بشكل سري لإحياء هذه المبادئ· لقد راح اليعاقبة Jacobins الذين تعرضوا لضغط شديد على يد الحكم الملكي الجديد - يعملون على أمل أن تصبح عودة نابليون ضرورة وأن يطيح بحكم البوربون، ويصبح مرة أخرى ابنا للثورة· واستطاع اليعاقبة أن يجندوا كثيرين في صفوف الجيش لتحقيق هذا الأمل· وكان المارشالات قد وقعوا أسرى كرم الملك ودماثته ولكن طبقة الضباط كانت تتطلع إلى إحياء الأيام التي كانت فيها هراوة المارشال يمكن أن يحوزها الضابط في ميدان المعركة (المعنى: يمكن أن يتحول الضابط العادي إلى مارشال على وفق بلائه في المعركة)· لقد راحت طبقة الضباط تتوق لتلك الأيام خاصة وهم يرون أن طبقة النبلاء راحت تستعيد احتكارها للمناصب العليا· وكان لويس 81 - رغبة منه في موازنة الميزانية - قد سرّح 000،81 ضابط و 000،003 جندي، وراح كل هؤلاء الرجال المطرودين تقريباً يناضلون ليجدوا لهم مكاناً في ظل النظام الاقتصادي السائد، وراحوا يتذكرون بحسرة أيام الإمبراطور (نابليون) التي بدت في عيونهم مثالية، تلك الأيام التي بدا فيها الموت دالاً على العظمة·
وكان سخط الجيش هو الأكثر وضوحاً من بين مظاهر السخط البادية في القوى الأخرى التي فتحت الباب أمام عودة المبالغات الفاتنة· أضف إلى هذا خوف الفلاحين من نزع ملكياتهم أو عودة الرسوم الإقطاعية، وكان الصناع يعانون من تدفق البضائع البريطانية تدفقاً شديداً· لقد كان الجميع مستائين باستثناء الكاثوليك شديدي التمسك بكاثوليكيتهم والخاضعين لسيطرة الإكليروس خضوعاً شديداً، وكان حل الملك للمجلسين في نهاية سنة 4181 (لم يُعدها حتى شهر مايو) مما زاد السخط، وكان الفقراء مشتاقين في طوايا نفوسهم لفرنسا النابليونية المثيرة ذات البهاء؛ كل هؤلاء كانوا سهلي الانقياد وكانوا في انتظار ريح مواتية فوصلت أخبارهم إلى إلبا Elba ورفعت الروح المعنوية للمقاتل السجين (نابليون) الذي اتضح أنه وإن كان قد جُرح فإنه لم يمت·