قصة الحضارة -> عصر نابليون -> ملوك أوروبا في مواجهة التحدي -> ألمانيا ونابليون -> بروسيا (تراث فردريك)

5- بروسيا: تراث فريدريك


6871 - 7871


عند موت فريدريك الثاني كانت مملكة بروسيا الكبيرة تتكوّن من ناخبية (إمارة بالمعنى الآنف شرحه) براندنبورج Brandenburg، ودوقيتي سيليزيا Silesia وبوميرانيا القصوى Farther Pomerania، وولايات (مقاطعات) بروسيا الشرقية - بما فيها كونيجسبرج Konigsberg وفريدلاند Friedland وممل Memel - وبروسيا الغربية التي تم الاستيلاء عليها من بولندا في سنة 2771 ومقاطعات مختلفة من قلب غرب ألمانيا تشمل فريدلاند الشرقية ومينستر Munster وإسّن Essen وبعد موت فريدريك أضافت بروسيا إليها منطقة ثورن Thorn ودانزج (دانتسِج Danzig) في التقسيم الثاني لبولندا (2971) ووارسو (فرسافا) وقلب بولندا في التقسيم الثالث (لبولندا) في سنة 5971 وأنسباخ Ansbach وبايروث Bayreuth ومانسفيلد Mansfeld في سنة 1971 ونيوشاتل Neuchatel في سويسرا في سنة 7971· لقد بدت بروسيا وكأنها قررت ابتلاع شمال ألمانيا عندما تقدم نابليون ليعفيها من هذه المهمة·
لقد كان والد فريدريك العظيم هو الذي جعل هذا التوسّع البروسي ممكناً، ذلك أن فريدريك الأول كان قد علَّم ابنه وشعبه تحمّل المشاق بصمت، بالإضافة إلى أنه ترك له أفضل جيش في العالم المسيحي، وترك له شعباً منظّماً بإحكام يخضع لنظام تعليمي واحد ونظام ضرائبي واحد، ونظام خدمة عسكرية يسري على الجميع· لقد كانت بروسيا قد أصبحت لقمة سائغة لملك ذي ميول عسكرية، وارتعدت أوروبا كلها وألمانيا كلها وبروسيا كلها لرؤية هذا الرجل وهو يلتهم المُلك (العرش) بضباطه الأرستقراطيين (اليونكر Junker) المستبدّين ورماة القنابل ذوي الأقدام الثمانية· لقد حذّرت الأم ابنها قائلة:
Do not get tall, or the recruiters will get you(8)
وقد أضاف فريدريك العظيم (حكم من 0471 إلى 6871) لهذا الجيش وهذه الدولة عبقريته الخاصة التي شحنها بقراءة فولتير، وتكيفاً مع الواقع (رواقية عميقة) من مورِّثاته (جيناته)، لقد رفع من شأن بروسيا من مملكة صغيرة تضارعها سكسونيا وبافاريا إلى قوّة تُضاهي النمسا في العالم الألماني تقف كحاجز قوي في وجه الضغط الدائم للسلاف الذين يتكاثر عددهم بسرعة، ليصل بها (بروسيا) مرة أخرى إلى حدودها القديمة على نهر الإلب Elbe· وفي الداخل أسس نظاماً قضائياً مشهوراً بتكامله وجهازاً من الإداريين حل بالتدريج محل النبلاء لتسيير أمور الدولة· وأرسى دعائم حرية الحديث والصحافة والعبادة وتحت حمايته أصبح نظام المدارس في ألمانيا هو البديل للتعليم الكنسي الذي جعل البروسي في سُبات روحي عميق(9)· لقد كان هو الرجل الوحيد في عصره الذي يستطيع أن يفوق فولتير ويعلّم نابليون· قال نابليون في سنة 7971 إن فريدريك العظيم بطل أحب أن أناقشه في كل شيء؛ في الحرب وفي الإدارة· لقد درستُ مبادئه في الميدان، وخطاباته المألوفة كانت بالنسبة لي دروساً فلسفية(01)·
وكان هناك نقص في إنجازه، فهو لم يجد الوقت الكافي بسبب المعارك التي خاضها - لتهذيب النظام الإقطاعي البروسي فيعطيه طابعاً أكثر إنسانية كما هو الحال في دول الراين Rhineland States، وأدت حروبه إلى فقر أصاب شعبه، فكانت هذه الحروب إلى حد ما مسؤولة عن انحدار بروسيا بعد وفاته· أما فريدريك وليم الثاني (حكم من 6871 إلى 7971) فكان كعمه الذي لم ينعم بطفولته مولعاً بالنساء والفنون أكثر من ولعه بالحكم والحرب، فقد ألحق بزوجته الأولى خليلة أنجبت له خمسة أبناء، وطلق زوجته في سنة 9671 وتزوّج من فريدريكيه لويز Friedrike Louise (من هس دارمشتادت Hesse - Darmstadt) التي أنجبت له سبعة أبناء، وفي أثناء زواجه الأخير هذا حث رجال الدين في بلاطه على السماح له بارتباط مورجانتي (أي السماح له بالزواج ممن هي أدنى منه منزلة ودرجة على أن يظل كل طرف من الطرفين في درجته نفسها وطبقته نفسها، وليس للأولاد المولودين من هذا الزواج حق الإرث أو حق وراثة ألقاب النبالة) مع جولي فون فوس (7871) التي ماتت بعد الزواج بعامين، ومن ثم تزوّج الكونتيسة صوفي دونهوف Sophie Donhoff (0971) التي أنجبت له ولداً· وكان لديه من الوقت ما يسمح له بعزف الفيولونشلو Violoncello وباستقبال موزارت وبيتهوفن، وبتأسيس أكاديمية للموسيقا ومسرح للدولة· وموّل (وأعلن) في سنة 4971 مدوّنه قانونية جديدة تحوي كثيراً من العناصر الليبرالية·
وسمح لجوهان (يوهان) فون فولنر Johann Von Wollner وهو إصلاحي أخذ بالمذهب العقلي، وكان أثيراً لديه - سمح له في سنة 8871 بإصدار قانون إيمان ديني(11) Religionsedikt أنهى التسامح الديني وأحكم الرقابة حتى إن كثيراً من الكتاب هجروا برلين بسببه·
وقامت سياسته الخارجية على الدفاع، فقد رفض الموقف الهجومي لسلفه، وهزأ بقرن سبق من الأحداث، فخطب ود النمسا، باعتبار ذلك خطوة كبرى نحو وحدة ألمانيا وأمنها· ولم يكن يحب الثورة الفرنسية، فبقي راضياً عن النظام الملكي (وكذلك كان شعبه راضياً عن الملكية) وأرسل بعض القوّات للمشاركة في معركة فالمي (2971) ولكنه كان سعيداً بعودة من بقي من جنوده لمساعدته في التقسيم الثاني لبولندا، وفي سنة 5971 وقّع اتفاق سلام بازل (بَاسِل Basel) مع فرنسا التي سمحت له بالاستيلاء على وارسو (فرسافا) في التقسيم الثالث لبولندا·
ورغم ما حصل عليه وضمه لبلاده فقد سمح بتدهور أحوالها مالياً وعسكرياً· ومنذ وقت باكر يرجع إلى سنة 9871 كتب ميرابو Mirabeau بعد إقامة طويلة في برلين - وكأنه يتنبّأ: العرش البروسي أصبح في وضع لا يتمكن فيه من التغلب على أية كارثة(21)· لقد أصبح الجيش في حالة استرخاء وفقد حماسه، وأصبح الجهاز الإداري هشاً يشيع فيه الغش والخداع والرشوة· وأصبحت ميزانية الدولة مضطربة وقريبة من الإفلاس(31)· ولم تكن سوى الحرب هي التي تستطيع بشكل حاسم أن تُوضِّح لهذا الجيل الأعمى ما وصلت إليه بلادهم من تدهور·· ذلك التدهور الذي أصاب بالشلل كل النشاطات بعد أن ركن الناس لسحر شهرة بلادهم في الماضي(41)·



صفحة رقم : 14714