قصة الحضارة -> عصر نابليون -> ملوك أوروبا في مواجهة التحدي -> ألمانيا ونابليون -> انهيار بروسيا
6- انهيار برويسا
7971 - 7081
وهكذا مات الملك الطيّب ووقع عبء العناية بالدولة المريضة على عاتق ابنه فريدريك وليم الثالث في فترة شهدت فيها أوروبا توسعات نابليون، وجهود ميترنيخ النمساوي، وظل فريدريك الثالث يحمل هذا العبء حتى سنة 0481· ويدهش الجميع لاستمراره في الحكم طوال هذه المدّة مع أنه كان ضعيف الإرادة رقيق المشاعر· لقد كان يتحلَّى بكل الفضائل التي يمكن أن تمكن المواطن الصالح من التطوير والعمل: تعاون، عدالة، رقة، تواضع، إخلاص لزوجته وحب للسلام· لقد حرر الأقنان (عبيد الأرض) في الأراضي التي تمتلكها الأسرة المالكة· تزوّج في سنة 3971 لويزا Luise (Louise) من مكلنبورج ستريليز Luise (Louise) of Mecklenburg وهي في السابعة عشر من عمرها، جميلة وعاطفية ومخلصة ووطنية، وسرعان ما أصبحت محبوبة الشعب· وظلت المصدر الأساسي للسعادة التي غرق فيها متناسياً كل النكبات والكوارث·
لقد راح القرن الجديد يجلب له الأزمة تلو الأزمة· ففي سنة 3081 استولى الفرنسيون على هانوفر التي كانت بروسيا قد ضمنت حيادها، فطالب الضباط الشبان في الجيش البروسي بقطع العلاقات - على الأقل - مع فرنسا، إن لم يكن الحرب· لكن فريدريك وليم عقد معها سلاماً· وأحكمت القوات الفرنسية قبضتها على مصب نهر الإلب Elbe ونهر فستر (وستر Wester) فأضرت - بفعلها هذا - بالتجارة البروسية، فتذرّع فريدريك بالصبر·
ودعت الملكة لويزا للحرب، وارتدت الزيّ العسكري الخاص بالفوْج العسكري الذي يحمل اسمها، وظهرت في عرض عسكري وهي تمتطي صهوة جواد، وراحت تبثُّ الحماس في الجيش الذي لا يُقهر· أما الأمير لويس فرديناند - ابن عم الملك - فكان يتطلع إلى فرصة لإظهار همته ونشاطه، أما دوق برونسفك (برونسويك Brunswick) العجوز فعرض أن يقود هو بنفسه الجيش البروسي·
أما الجنرال بلوشر (بلوخر) Blucher - الذي أصبح بعد ذلك بطلاً من واترلو - فقد أيده (أي أيد دوق برونسفيك)· ومع هذا فقد راح فريدريك وليم يقاوم رغبات كل هؤلاء بهدوء· وفي سنة 5081 حثَّت النمسا - التي قررت أن تتحدّى نابليون - بروسيا على تقديم المساعدة لها، لكن الملك البروسي لم يستجب·
غير أن صبر فريدريك وليم نفد عندما توغلت القوات الفرنسية - وهي في طريقها إلى أوسترليتز Austerlitz في منطقة بيروث Bayreuth البروسية، فدعا الملكُ إلى مؤتمر في بوتسدام Potsdam يحضره ملك روسيا إسكندر، وأقسم الملكان عند قبر فريدريك الكبير أن يقفا معاً في مواجهة نابليون وأن يهبّا معاً لنجدة النمسا· وسارت قوات إسكندر الروسية جنوباً فلاقت الهزيمة وفي الوقت نفسه تشتت الجيش البروسي في الوقت الذي ولّى فيه إسكندر هارباً إلى بلاده روسيا· وأعطى نابليون سلاماً سهلاً - لكنه مشروط - لفريدريك وليم (51 ديسمبر 5081، 51 فبراير 6081): تتنازل بروسيا لفرنسا عن نيوشاتل Neuchatel وكليفز Cleves وأنسباخ (أنسباش Ansbach) لفرنسا، في مقابل أن تأخذ (أي بروسيا) هانوفر، ووافق فريدريك وليم على إغلاق الموانئ البروسية في وجه البضائع البريطانية بعد أن حصل على هانوفر وضمها لملكه - تلك الجائزة الثمينة التي طالما اشتهاها - ووقع مع فرنسا معاهدة تحالف دفاعية هجومية، فأعلنت إنجلترا الحرب على بروسيا· وتوجه نابليون لتكوين فدرالية الراين التي كانت تحيط ببعض المقاطعات البروسية في غرب ألمانيا، وعندما سمع فريدريك وليم أن نابليون يعرض هانوفر على انجلترا سرا - دخل في تحالف سري مع روسيا (يوليو 9081)، وفي أول أغسطس استولى نابليون على كل غرب ألمانيا وجعلها تحت حمايته، وفي 9 أغسطس عبأ فريدريك وليم جانباً من جيشه، وفي الرابع من سبتمبر أعاد فتح الموانئ الروسية أمام البضائع الإنجليزية، وفي 31 سبتمبر أمر قواته بدخول سكسونيا Saxony وانضمت قواته إلى القوات السكسونية، فأصبح جنرالاته وعلى رأسهم دوق برونسفيك (برونسويك) يقودون 000،02 مقاتل· وغضب نابليون غضبا شديدا لما اعتبره انتهاكا لاتفاقيتين وتحالف، فأمر جيوشه التي كانت متمركزة بالفعل في ألمانيا أن تنقض على مقدمة وجناح جيوش الحلفاء، وأسرع هو نفسه إلى الجبهة وأشرف على هزيمة البروس والسكسون هزيمة منكرة في جينا (يينا) وأورشتدت (أورشتاد Auersted) في اليوم نفسه - 41 أكتوبر 6081·
ماذكرناه آنفا هو وجهة النظر الفرنسية· أما على الجانب البروسي فقد كان ما حدث واحدا من أظلم المآسي وأقساها في تاريخها· لقد هرب فريدريك وليم بحكومته وأسرته إلى شرق بروسيا وحاول أن يباشر مهامه من ممل Memel، وأصدرنابليون - من مقر البلاط الملكي في برلين - أوامر لقارة (بأكملها) بفرض الحصار القاري (على البضائع البريطانية) وأخرجت القوات الفرنسية الجيوش البروسية من بولندا، وهزم نابليون الروس في فريدلاند Friedland وصحبته قواته إلى تيلسيت Tilsit حيث عقد سلاما مع إسكندر· وهنا علم فريدريك وليم الشروط الأخيرة (النهائية) التي بمقتضاها يمكن أن تظل بروسيا كيانا موجودا على الخريطة· لابد أن تتنازل بروسيا لفرنسا عن كل الأراضي البروسية الواقعة غرب نهر الإلب وأن تعيد إلى بولندا كل أراضيها التي استولت عليها في التقسيمات الثلاثة· ولا بد أن تقبل دفع تعويض حرب بدفع رواتب الجنود الفرنسيين الذين احتلوا بروسيا حتى يصل إجمالي ما تدفعه إلى 061 مليون فرنك· وبهذه المعاهدة التي وقعتها بروسيا في 9 بوليو 7081 فقدت 94% من الأراضي التي كانت تحكمها وصار عدد سكانها 000،052،5 بعد أن كان 000،0057،9 (المقصود أنها بفقدها المناطق التي تنازلت عنها نتيجة الهزيمة فقدت حكم سكانها، وليس المقصود أن كل هذا النقص ضحايا حرب) وفي الفترة بين 6081 و 8081 كانت تكاليف القوات الفرنسية والتعويضات تستنفد كل دخل بروسيا(51)· ومع هذا فقد كان هناك بعض الألمان يظنون - وهم يرون الدمار الذي حاق ببروسيا - أنها لن تقوم لها قائمة بعد ذلك ولن تلعب دوراً مهما في التاريخ الألماني·