قصة الحضارة -> عصر نابليون -> ملوك أوروبا في مواجهة التحدي -> الشعب الألماني -> المسرح
9- المسرح
كان في كل مدينة ألمانية - تقريبا - مسرح لأن الناس الذين أرهقتهم الحقائق نهارا يرتاحون إلى الخيال مساء· وكان في بعض المدن فرق مسرحية دائمة كما هو الحال في هامبورج، ومينز (مينتس) وفرانكفورت وفيمار وبون وليبزج (ليبتسج) وبرلين· وكانت هناك مدن أخرى تعوّل على الفرق الجوالة وتقيم مسرحا مؤقتا عند وصول إحدى هذه الفرق· وحقق مسرح مانهيتن أفضل شهرة لجودة عروضه وبراعة ممثليه، كما كان مسرح برلين هو الأكثر إيرادا وكان أفراد فرقته التمثيلية يتقاضون أعلى الأجور (بالنسبة إلى المسارح الأخرى) أما مسرح فيمار فاشتهر بعروضه الكلاسية·
وكان سكان فيمار في سنة 9871: 0026 نفس ارتبط كثيرون منهم بالوظائف الحكومية والحاشية الأرستقراطية، ولفترة من الزمن أخذ سكان المدن على عواتقهم دعم فرقة من الممثلين فكانت النتيجة أن انتهت هذه الفرقة في سنة 0971 لسوء التمثيل، فأخذ شارلز أو جستس هذا المشروع على كاهله فجعل المسرح جزءاً من بلاطه وحث المستشار جوته على إدارته، وكان يمكن لأي فرد من أفراد الحاشيه أن يقوم بدور خلا أدوار البطولة (الأدوار الرئيسة) فهذه الأدوار مقتصرة على النجوم من الرجال أو النساء الذين يأتون إلى المسرح، وعلى هذا أتى إفلاند Iffland العظيم إلى فيمار، وأتت أيضا كورونا شروتر Schroter (1571 - 2081) التي كادت تنتزع بصوتها وقوامها وعينيها المتألقين - جوته من شارلوت فون شتاين· ولم يكن جوته (الشاعر ورجل الدولة والفيلسوف) بالقليل الشأن في التميثل، فقدم قام بدور أورستس Orestes التراجيدي أمام مدام شروتر Schroter التي قامت بدور إفيجينيا Iphigenia، ونجح أيضا - ويا للدهشة - ككوميدي بل وحتى في الأدوار - الهزلية(92)· ودرب الممثلين على الأسلوب الغالي (الفرنسي) في الحدث الذي يكاد يكون خطابة، وكان هذا الأسلوب يتسم بالرتابة، وإن كان يتسم بالوضوح، والرتابة خطأ والوضوح فضيلة وشجع الدوق بشدة هذه السياسة، وهدد بعقوبة التوبيخ عند وقوع أي خطأ في التفاصيل·
لقد أخذ مسرح فيمار على عاتقه أداء مجموعة من الذخائر المسرحية الطموحة من سوفوكليس وتيرنس Terence إلى شكسبير وكارلدرون Carlderon وراسين وفولتير بل وحتى المسرحيات المعاصرة لفريدريش، وأوجست فيلهيلم فون شليجل وصولا إلى النصر الداعي للفخر مع عمل شيلر (فالنشتين Wallenstein) (8971)·
لقد أتى شيلر Schiller من يينا (جينا Jena) ليعيش في فينا، وبتشجيع من جوته أصبح عضوا في مجلس إدارة الفرقة· والآن (0081) جعل هذا المسرح الصغير من فيمار قبلة ينجه إليها آلاف الألمان من محبي الدراما· وبعد موت شيلر (5081) فقد جوته اهتمامه بالمسرح، وعندما أصر الدوق - بتحريض من خليلاته اللائي كن يترددن عليه - على تقديم فاصل درامي يظهر فيه كلب كنجم مسرحي، استقال جوته من منصبه الإداري واختفى مسرح فيمار من التاريخ·
وهيمن ممثلان على الساحة المسرحية في ألمانيا في هذا العصر· أوجستس (أغسطس) فيلهيلم إفلاند (9571 - 4181) الذي كان يضارع تالما، ولودفيج ديفرينت (4871 - 2381) الذي كرر اهتمامات إدموندكين Kean ومأساته· ولد في هانوفر يوم كان إفلاند في الثامنة عشرة من عمره، وترك بيته ليلتحق بفرقة مسرحية في جوثا Gotha رغم اعتراض والديه· وبعد ذلك بعامين فقط تألق في مانهايم بأدائه (Dierauber) لشيلر· وفي هذه الفترة الراديكالية من حياته نعم بالرخاء وتعاطف مع الذين تركوا فرنسا إثر أحداث الثورة الفرنسـية، وسـرعان مـا غــدا معبــودا للمحافظين (المناهضين للثورة الفرنسية) وبعد أن قام بأدوار كثيـرة فـي معظـم أنحـاء ألمانيا قبل دعوة جوته لزيارة فيمار (6971) وأسعد مشاهديه بكوميديات الطبقة الوسطى، لكنه لم يكن بارعاً في الأدوار التراجيدية براعة فالنشتين Wallenstein أولير Lear· وألف عددا من المسرحيات التي أثارت إعجاب الناس بما فيها من فكاهة، وفي سنة 8971 أصبح مديرا لمسرح برلين الوطني وبذلك حقق ما كان يصبو إليه·
وقبل موته بفترة وجيزة تعاقد مع ممثل هو لودفيج ديفرينت Devrient (ديفريا) جلب للمسرح الألماني كل مشاعر ومآسي tragedy الفترة الرومانسية· وكان لقبه الفرنسي ديفرينت (ديفريا - وهو النطق الفرنسي) جزءاً من تراثه الهيجونوتي (الهيجونوت هم البروتستنط الفرنسيون) وتزوج أبوه امرأتين على التوالي وأنجب ثلاثة أبناء كان هو آخرهم وكان أبوه تاجر أجواخ وألبسة في برلين، وماتت أمه في طفولته وتركته بائساً في بيت مزدحم، فانكفأ على نفسه وعاش في عزلة ووحدة ولم يكن يواسيه في حياته سوى أنه كان وسيما أسود الشعر، وهرب من البيت والمدرسة لكن أباه أعاده مرة أخرى وبذل كل جهده ليجعل منه تاجر أجواخ وأقمشة لكن جهوده فشلت فقد كان الفتى غير كفء بدرجة تدعو للسخط، فتركه أبوه على هواه· وفي سنة 4081 التقى وهو في العشرين من عمره بفرقة مسرحية في ليبزج (ليبتسيج) فعهدت إليه بدور صغير، انطلق منه فجأة إلى دور كبير بسبب مرض (الممثل الأول (النجم)· لقد كان الدور دور متسول سراق سكير، فوجده يتلاءم مع ذوقه فأداه بإتقان حتى كان يشار إليه على سبيل الإدانة أنه ممثل متجول سكير على المسرح وعندما يكون بعيدا عن المسرح (سكير تمثيلا وواقعا) وأخيراً - في بريسلاو Breslau في سنة 9081 - وجد نفسه يمثل لا (فلستف Falstaff) وإنما في مسرحية راديكالية لشيلر (كارل مور Karl Moor)، وفي هذا الدور صبَّ كل ما تعلّمه من كراهية وعدوانية وشر· لقد استولت عليه شخصية زعيم السرّاق فعبّر عنها بكل خلجةٍ من خلجاته وببريق عينيه الغاضب المخيف، ولم تكن بريسلاو Breslau قد شهدت من قبل مثل هذه الحيوية والقوّة في التمثيل، ولم يكن يمكن أن يصل لهذه الذورة والعمق المسرحيين في هذا العصر العامر بالممثلين العظام سوى إدموند كين Kean، لقد أصبحت كل الأدوار التراجيدية تُسند إليه الآن دون منازع· لقد مثل لير Lear وذاب في دوره (تقصمه تماما) واستسلم لهذا الخط الرفيع بين الحكمة والجنون حتى أنه ذات ليلة انهار وسط المسرحية وكان لابد من حمله للبيت أو لحانته المفضّلة·
وفي سنة 4181 أتى إفلاند - وكان في الخامسة والخمسين - إلى بريسلاو Breslau ومثل مع ديفرينت (دوفريا) وأحس بطاقته ومهارته فطلب منه الانضمام للمسرح الوطني قائلا له المكان الوحيد الجدير بك هو برلين، فأنا أحسّ تماما أن هذا المنصب في المسرح الوطني سيغدو شاغرا عما قريب· إنه محجوز لك(03) وفي سبتمبر مات إفلاند Iffland وفي الربيع التالي شغل ديفرينت مكانه· وهناك ظل يمثل إلى آخر حياته فعاش على الشهرة والنبيذ وقضى ساعات ممتعة يتبادل الحكايات مع إ· ت· أ· هوفمان فقبل تحديا بأن يمثل في فينّافعاد منها إلى برلين محطم الأعصاب، ومات في 03 ديسمبر 2381 في الثامنة والأربعين من عمره، وظل أبناء أخيه الثلاثة الموهوبون - وكلهم يحمل اسمه - يتوارثون فنه حتى آخر القرن·