قصة الحضارة -> عصر نابليون -> ملوك أوروبا في مواجهة التحدي -> حول القلب -> السويد

2- السويد


كان من الممكن أن ترحب السويد بالثورة الفرنسية على الأقل في مراحلها الأولى، لأنه خلال حركة التنوير السويدية في القرن الثامن عشر كان الفكر السويدي منسجماً مع الفكر الفرنسي، وكان الملك السويدي نفسه - جوستاف الثالث III Gustavus (حكم من 1771 إلى 2971) أحد أبناء التنوير الفرنسي وكان معجبا بفولتير· لكن الملك جوستاف لم يكن يحترم الديمقراطية وإنما كان يرى في الملكية القوية الطريق الوحيد لحكم قوي تقبض على زمامه أرستقراطية ملاك الأراضي الحريصة حرصا شديدا على امتيازاتها التقليدية· لقد نظر إلى مجلس طبقات الأمة (مايو 9871) كاجتماع مرتبط بملاك الأراضي والعقارات وعندما تطور الصراع بين هذا المجلس ولويس السادس عشر شعر بتهديد قوي لكل الملوك وليس للويس السادس عشر وحده فعرض وهو الليبرالي المتنور أن يكون على رأس تحالف ضد الثورة الفرنسية، وبينما كان منشغلا بوضع الخطط لإنقاذ لويس السادس عشر دبر بعض النبلاء السويديين مؤامرة لاغتياله· وفي 61 مارس 2971 تم إطلاق النار عليه، ومات في 62 مارس وعمت الفوضى السياسية في السويد حتى سنة 0181·
وكان حكم جوستاف الرابع (2971 - 9081) حكما تعساً· لقد انضم للتحالف الثالث ضد فرنسا (5081) مما أعطى نابليون مبررا للاستيلاء على بوميرانيا Pomerania وسترالسوند Stralsund - وهي آخر الممتلكات السويدية على البر الأوربي المقابل لها· وفي سنة 8081 عبر جيش روسي خليج بوثنيا Bothnia على الجليد وهدد ستوكهولم فاضطرت السويد إلى التخلي عن فنلندا مقابل السلام، وعزل الريكسداج Riksdag، جوستاف الرابع وأعاد سلطان الأرستقراطية واختار عم الملك المعزول، وكان في الواحدة والستين من عمره سهلا طيعا· إنه شارل الثالث عشر Cherlex Xlll (حكم من 9081 - 8181)، ولأنه لم ينجب فكان لابد من اختيار وريث لعرشه، فطلب الريكسداج Riksdag من نابليون أن يسمح لأحد أبرز مارشالاته وهو جان - بابتست بيرنادوت Jean - Baptiste Bernadotte بقبول ولاية العهد· ووافق نابليون، ربما أملاً في أن يكون لزوجة بيرنادوت التي كانت ذات مرة خطيبة نابليون وكانت أخت جوزيف بونابرت - نفوذ في السويد· وعلى هذا أصبح بيرنادوت في سنة 0181 هو ولي عهد السويد وأصبح اسمه شارل جون Charles John·
وفي ظل حكومة هذا تكوينها واصل العقل السويدي جهوده في مضمار التعليم والعلم والأدب والفن، فكانت جامعات أبسالا Uppsala وأبو Abo ولوند Lund من بين أفضل الجامعات في أوربا· وكان جون جاكوب بيرزيليوس Jons Jakob Berzelius (9771 - 8481) أحد مؤسس الكيمياء المعاصرة· إذ استطاع بدراسته المتأنية الدقيقة لنحو ألفي مركب أن يصل إلى قائمة بالأوزان الذرية أكثر دقة بكثير من قائمة دالتون Dalton ولا تختلف إلا قليلا جدا من حيث دقتها عن القائمة التي استقر عليها العلم في سنة 7191(6)· وعزل كثيرا من العناصر الكيميائية للمرة الأولى· وراجع نظام الرموز الكيميائية الذي وضعه لافوازيه Lavoisier وقام بدراسات كلاسية في الأثر الكيميائي للكهرباء وطور نظاما ثنائيا لدراسة عناصر في التفاعل الكيميائي كموجبة أو سالبة كهربيا· وأصبح كتابه الموجز الذي نشره في سنة 8081 وتقريره السنوي Jahresbericht الذي بدأ صدوره سنة 0181 إنجيلا للكيميائيين طوال جيل·
وكذلك كان في السويد كثير من الشعراء انقسموا إلى مدرستين شعريتين متنافستين: الفوسفوريون Phosphorists الذين ترجع تسميتهم بهذا الاسم إلى مجلتهم التي أصدروها بعنوان (الفوسفوري Phosphorous) وكانوا متأثرين بالرومانسية الألمانية الوافدة وتحوي أشعارهم الكثير من العناصر الباطنية (الصوفية) أكثر من سواهم من الشعراء، والقوطيون (المدرسة الشعرية القوطية) Gothics الذين راحوا يعزفون في أشعارهم على أنغام البطولة·
وبدأ تجنر Esaias Tegner كقوطي (من المدرسة الشعرية القوطية الآنف ذكرها) لكنه كان كلَّما سار قدما في مضمار الشعر راح يوسع مجالات تناوله الشعري حتى بدا وكأنه يضم بين جنبيه كل مدارس الشعر السويدية· ولد تجنر في سنة 2871 ولم يكن قد بلغ السابعة من عمره عندما نشرت الثورة الفرنسية - وكانت كأعظم الفوسفوريين - نورها وحرارتها خلال أوربا، وما كاد يبلغ الثالثة والثلاثين حتى نفي نابليون إلى سانت هيلانه· وعـاش تجنر إحـدى وثلاثين سنة أخرى لكنه كان قد حقق بالفعل تفوقه وشهرته عندما منحته الأكاديمية الملكية السويدية في سنة 1181 جائزة لقصيدته (Svea) التي وبّخ فيها كـل معاصريـه لفشلهم في الحفـاظ على عادات أسلافهم· وانضم (إلى الاتحاد القوطي Gothic Union) وسخر من الفوسفوريين (أتباع المدرسة الشعرية الفوسفورية الآنف ذكرها) متهما إياهم بالضعف الرومانسي· وأصبح وهو في الثلاثين من عمره أستاذا للغة اليونانية في جامعة لوند Lund وأصبح وهو في الثانية والأربعين (أسقف فيكسجو VaxJo) وفي الثالثة والأربعين (5281) نشر أشهر قصيدة في الأدب السويدي· لقد كانت هذه القصيدة الطويلة (Frithjofs Saga) سلسلة من الحكايات الأسطورية مستوحاة من التراث الشعري الأسكندنافي القديم وظن بعض النقاد(7) أن الملحمة مغرقة جدا في الاتجاه الخطابي (ذات نبرة عالية) - فالشاعر لم يستطع استبعاد مزاجه الأسقفي، لكن بهاء قصائده وروحها الغنائية جعلتها تحظى بقبول حماسي حتى خارج السويد فبحلول عام 8881 ترجمت إلى الإنجليزية إحدى وعشرين مرة وإلى الألمانية تسع عشرة مرة·
وبدا وكأن تجنر قد استنفد قواه في عمله الشعري هذا فبعد أن أنهاه تدهورت صحته لكنه ظل يكتب الشعر في المناسبات وأهدى إحدى قصائده لامرأة متزوجة من فكسجو Vaxjo· لقد كان ليبراليا في الأساس لكنه تحول إلى متحفظ متمسك بالاتجاه المحافظ ودخل في خلافات ساخنة مع الأقلية الليبرالية في الركسداج Riksdag· وأعقب اضطرابات 0481 اضطراب فكري لكن واصل كتابة شعره الجيد حتى مات في سنة 6481 في فكسجو Vaxjo وفي هذه الأثناء أصبح الملك شارل الثالث عشر مريضا بشكل مستمر، فتولى ولي العهد شارل جون الوصاية على العرش وتولى مسئولية الحكم· وسرعان ما واجه خيارا صعباً بين ولائه لوطنه الأصلي (فرنسا) والبلاد التي احتضنته (السويد)، ومادامت الدول تكون مولعة بضم بلاد أخرى تماما كمواطنيها، فإنها ترسل زوائدها الكاذبة كزوائد الأميبا المعدة للإمساك - تلك الزوائد المسماة بالجيوش - للإمساك بما يعد وجبات شهية، فقد راحت الحكومة السويدية تتطلع بنهم لامتلاك جارتها النرويج التي كانت الدنمرك منذ سنة 7931 تدعي حق ملكيتها· واقترح ولي عهد السويد على نابليون أن تضم السويد النرويج إليها فبهذا تتوثق عرى العلاقات بين السويد وفرنسا فرفضه نابليون لأن الدنمرك كانت من أخلص حلفائه، وفي يناير سنة 2181 استولى نابليون مرة أخرى على بوميرانيا Pomerania السويديه بحجة أنها سمحت باستيراد البضائع البريطانية وهذا إخلال بالحصار القاري الذي فرضه نابليون، فاتجه الأمير شارل جون إلى روسيا التي كانت هي بدورها تتجاهل الحصار القاري فوافقت روسيا على أن تبتلع السويد النرويج مقابل أن تؤيد السويد بما قامت به روسيا من ضم فنلندا إليها· وفي أبريل سنة 2181 وقعت السويد تحالفاً مع روسيا وفتحت موانئها للتجارة البريطانية· هذا هو الوضع في السويد عندما كان نابليون يحتفي بملوك أوربا في دريسدن Dresden في طريقه إلى موسكو·



صفحة رقم : 14737