قصة الحضارة -> عصر نابليون -> ملوك أوروبا في مواجهة التحدي -> روسيا -> بول الأول

2- بول الأول


6971 - 1081


وعند ذروة هذا البهاء الودود كانت توجد سيدة (مدام)· لقد كان بول (بافال بتروفيتش) ابن كاترين الثانية، لكن عبقريتها تخطت جيلا، وتركت بول صغيرا نزاعاً للشك مكتئباً - رغم صغر سنه - مولعا إلى حد الجنون بالسلطة المطلقة
لـم يكـن عمـره قـد تجــاوز الثمانــي سـنوات عندما علم أن أباه القيصر بطرس الثالث Peter III كان قد قتل وتستر على جريمة قتله أليكسى أورلوف Aleksei Orlov أخو جريجوري أورلوف العشيق الدائم لأم بول· ولم يفق بول أبداً من هذا الكابوس· وكان من الطبيعي - على وفق التسلسل المعتاد - أن يرث بول عرش أبيه، لكن كاترين نحته وقبضت على زمام السلطة كاملة· وحبكت زوجة بول الأولى - بعلمه - مؤامرةللإطاحة بكاترين وتنصيب بول قيصرا، واكتشفت كاترين المؤامرة وأجبرت بول وزوجته على الاعتراف· واعترفت الإمبراطورة كاترين به وريثاً لها لكنه لم يطمئن أبداً وكان يحس أنها ستزيحه هو أيضا، وعاشت زوجته في رعب دائم وماتت عندما كانت تضع طفلاً ولد ميتا·
ووضعت له زوجته الثانية ماريا فودوروفنا Maria Feodorovna ابنه إسكندر (7771) وفكرت كاترين لفترة في تسميته وليا لعهدها وإزاحة بول، لكنها لم تحول هذه الفكرة الدائرة في رأسها إلى عمل، وإن كان بول قد أحس بها مما جعله مرتاباً في ابنه· وفي سنة 3871 منحت كاترين، بول، مزرعة وعقارا في جاتشينا Gatchina على بعد ثلاثين ميلا من سان بطرسبرج، وهناك راح بول يدرب فوجاً عسكريا خاصا به ويعلمه على نسق أسلوب أبيه - أسلوب خطوة الإوزة الذي أخذ به فريدريك الكبير، وخشيت كاترين أن يقوم بمحاولة أخرى لعزلها فأرسلت جواسيسها لمراقبته، فعين هو بدوره جواسيس لمراقبة الجواسيس، وتملكته الهلاوس التي كانت تدور حول لقائه مع شبح جده بطرس الأول الكبير في أثناء الليل· وبعد اثنتين وأربعين سنة غير سعيدة اعتلى أخيراً العرش كان عقله بالفعل قد اقترب من الإفلات منه·
وفي غمرة مشاعره الطيبة أصدر بعض المراسيم الخيرة· لقد حرر عددا من ضحايا مخاوف كاترين المزمنة - نوفيكوف Novikov وراديشيف Radischev ومفكرين راديكاليين وكوزكيو سكو Kosciusko وآخرين ممن سبق لهم النضال لتحرير بولندا· وكان مرتاعاً من أحوال مستشفى موسكو فأمر بتجديدها وإصلاحها وإعادة تنظيمها (7971) فأصبحت نتيجة لذلك واحدة من أفضل مستشفيات أوربا(01)· وأصلح العملة وجعلها مستقرة· وخفض الجمارك، وافتتح قنوات (ترعا) جديدة لخدمة التجارة الداخلية·
وعلى أية حال فقد أصدر أوامر محمومة للجنود لتلميع أزرار ملابسهم الرسمية وإصلاحها وتنظيف باروكات الشعر، وأصدر أوامر للشعب يحدد فيها ما يجب عليهم لبسه، ومنع الأزياء التي سادت أوربا بعد الثورة الفرنسية، مهددا المخالفين بعقوبات شديدة(11) وبحلول عام 0081 منع استيراد الكتب المنشورة خارج روسيا ولم يشجع طباعة كتب جديدة في روسيا· وتصدى لأوتوقراطية النبلاء وأعاد لملاك الأراضي 000،053 قناً (من أقنان الأرض) كانوا ينعمون فيما سبق بأوضاع أيسر كموظفين في الدولة· وأقر العقوبات الصارمة التي صدرت ضد الأقنان المتمردين، على وفق رغبة الملاك(21)· أما جنوده الذين كانوا في وقت من الأوقات مخلصين له، فقد امتعضوا لمراقبته الصارمة ونظامه شديد الانضباط· وكانت سياسته الخارجية شديدة التقلب· لقد ألغى خطط كاترين القاضية بإرسال 000·04 جندي ضد فرنسا الثورة· واستاء من استيلاء نابليون على مالطا ومصر، وتحالف مع تركيا وإنجلترا ضده، وحث السلطان على السماح للسفن الحربية الروسية بالمرور عبر البوسفور والدردنيل· واستولت سفنه الحربية على الجزر الأيونية وأنزل جنوده في مملكة نابلي للمساعدة على طرد الفرنسيين· لكن عندما رفضت بريطانيا العظمى تسليمه مالطه باعتباره الرئيس الأعلى المنتخب لفرسان مالطه Knights of Malta (من بقايا الحروب الصليبية) انسحب بول من التحالف ضد فرنسا بل وأصبح محبا لنابليون· وعندما بدرت عن نابليون إشارات تدل على نوايا حسنة، منع كل أنواع التجارة مع انجلترا واستولى على البضائع البريطانية الموجودة في المخازن الروسية، وناقش مع نابليون إرسال حملة فرنسية روسية مشتركة لطرد إنجلترا من الهند، وتضاعفت نوبات غضبه بعد أن رأى مجريات الأمور الخارجية لا تسير على وفق هواه وبعد أن رأى مجريات الأمور في الداخل تتضاءل أمام طلباته الكثيرة· لقد عاقب بقسوة لأدنى خطأ وأبعد عن موسكو نبلاء سبق لهم أن شككوا في سياساته وأرسل إلى سيبيريا ضباط جيش توانوا في تنفيذ الأوامر· وغالبا ما كان ابنه إسكندر موضع حنقه وسخطه(31)· وراح النبلاء والضباط - أكثر فأكثر - ينخرطون في المؤامرة لعزله، فأقنع الجنرال ليفين بنيجسن Levin Bennigsen الكونت نيكيتا بانين Nikita Panin وزير الخارجية، واستمالا لخطتهما الكونت بطرس فون باهلن Peter Von Pahlen الذي كان على رأس شرطة المدينة ورئيسا للعسكر فيها، وعملوا ثلاثتهم عل إقناع إسكندر بخطتهم ونجحوا أخيرا إذ وافق إسكندر شريطة عدم إلحاق الأذى البدني بوالده، فوافقوا على ذلك وهم يعلمون أن فرض الأمر الواقع سيكون هو خير دفاع، وفي الساعة الثانية صباح يوم 42 مارس 1081 قاد باهلن Pahlen المتآمرين ورهطاً من الجند إلى قصر ميخائيلوفسكي Mikhailovsky وهزموا قوات الحرس وأحاطوا بالامبراطور المقاوم (بكسر الواو) وخنقوه حتى مات· وبعد ساعات قليلة أحاطوا إسكندر علماً أنه قد أصبح الآن هو قيصر روسيا الجديد·



صفحة رقم : 14742